Tuesday, August 30, 2005

يا مسافر وحدك: صحراء الفلاسفة


"وداعاً أيتها الحياة التي أعرفها…فأنا مسافر إلى المجهول"


الأحد: كنت غارقاً حتى النخاع في قصة العلم وماهِيَّته، وكيفية خَلق الكون منذ الانفجار العظيم وحتى نظرية التطور. منذ يومين، كنت أتحدث مع أبي الروحي عن كل ما اكتشفته، فوجدته يسألني: "يبدو أنك تعلم الآن الكثير عن "كيف" خلق الكون، ألا تريد أن تفهم "لماذا" خلق؟؟؟". أعطاني كتاباً من 640 صفحة اسمه "قصة الفلسفة"، سألته عن معنى الفلسفة…قال:"الفلسفة هي ما وراء الأشياء"، والفيلسوف هو "محب الحكمة"…ولم أفهم أنا أي شيء

الاثنين: يقول الكتاب أن الفلسفة بدأت في أثينا، حيث التقت مئات الثقافات القادمة من كل مكان بالعالم القديم، وأتى كل منهم بعقيدته الخاصة. عندما تُقدم لنا ألف عقيدة، يساورنا الشك في جميع هذه العقائد. وهذا هو بالضبط ما حدث، حيث بدأ الناس يشكون في كل شيء إلى المدى الذي قال فيه شخص اسمه ديمقرطيس إنه: "لا يوجد أي شيء في الحقيقة سوى الذرات والفراغ"!! لكن الفلسفة الحقيقية -أياً كان معنى ذلك- بدأت بسقراط، الحكيم الذي لم يعط العالم أي إجابات، لكنه منحه أهم ما في الفلسفة: "الأسئلة". يؤكد سقراط لتلاميذه: "أنا لا أعرف إلا شيئاً واحداً، هو أنني لا أعرف شيئاً"، ويتبارى مع الفلاسفة الأخرين: "قد يكون من المفيد أن تحاولون تفسير الكون، لكني أدعوكم لما هو أعظم؛ أن تعرفوا أنفسكم أولاً".
صدمتني هذه الجملة في الصميم، فأنا ركزت كل جهودي حتى الآن على العلم، مفترضاً أنني سأجد كل الإجابات في كتب الفيزياء والكيمياء، والآن عرفت السؤال الوحيد الذي لا إجابة له فيها: "من أنا؟؟". عرفت أيضاً أنني لن أدرك الحقيقة، إلا إذا أدركت حقيقتي.


موت سقراط - جاك لوي ديفيد



الثلاثاء: عرفت أن أفلاطون كان تلميذاً لسقراط، وأرسطو كان تلميذ أفلاطون…ليت المعرفة تنتقل بهذه الطريقة في المدرسة!! بعد أن حكم على سقراط بالموت، لأنه رفض وجود الآلهة، أخذ أفلاطون على نفسه أن يخترع مدينة فاضلة، لا يموت فيها فيلسوف لأجل أفكاره. ناقش أفلاطون كل قضية يمكن أن تخطر لإنسان. وربط بين كل القضايا، بدئاً بالأخلاق مروراً بالسياسة وانتهاءً بعلم النفس. واكتشف أخيراً أن هدف الفلسفة، الذي هو أيضاً هدف الحياة، هو التوافق، الهارموني، التي تضع كل شيء وكل شخص في موضعه بعدل وحساب، والتي تربط بين كل الأشياء بسلاسة وصدق. الفلسفة تجعل "الكل" "واحداً"
أما أنا، فمدينتي الفاضلة ينبغي أن تكون مليئة بالحب، غير أنني لا أتوقع فيها، مثل أفلاطون، أن تكون الحياة مثالية لا مشاكل فيها ولا ألم، بل أتخيلها أقرب ما يكون إلى حياتي الحالية، بإضافة الكثير من الحب، والقليل من الفلسفة. ثم أن أفلاطون كان يريد أن يبدأ التعليم من المهد وحتى سن الخمسين !!!!!!!

الأربعاء: سيصيبني الجنون حتماً قبل أن أنهي هذا الكتاب. لقد كان أرسطو معلم الإسكندر، ويقال أن الإسكندر مَنَحُه ما يعادل اليوم 10 مليون دولار، فماذا فعل بها؟ أرسل عمال في كل أنحاء العالم ليجمعوا له من كل أصناف الحيوانات والنباتات، ليؤسس بها أول حديقة بيولوجية في التاريخ!!! اخترع أرسطو المنطق، وهو للفلسفة مثل الرياضة بالنسبة للفيزياء. وأخذ عن أستاذ أستاذه حبه للأسئلة، فكان أساس منطقه هو "قبل أن تتحدث معي، عرف ما تقول"، فإذا أخبرته أنك إنسان، فعليك أن تعرف أن الإنسان -في تعريف أرسطو- حيوان عاقل. وإذا كنت أنت سقراط، وسقراط إنسان، إذن فسقراط حيوان عاقل…هذا هو المنطق ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!!
قضيت اليوم كله ألعب هذه اللعبة مع زملائي وأمي وجدي…"يا جدو، عرف من فضلك ما تقول، هل ارتداء النظارة صفة من صفات الحيوان العاقل؟؟". لكن ما فَتَّني حقاً في أرسطو هو حديثه عن الله: " كل شيء في الدنيا هو صورة نشأت عن شيء كان مادة لها، ومادة لصورة أكبر تنشأ عنه: الرجل هو الصورة التي كان الطفل مادة لها، والطفل هو الصورة التي كان الجنين مادة لها، وهكذا…المادة هي إمكانية الصورة، والصورة هي الحقيقة التامة للمادة. وهذه الحركة يقف وراءها الله، المحرك الأكبر، لا يتحرك بل هو كائن، معنوي ولا مكان له، لا مذكر ولا مؤنث، لا يتغير ولا يتأثر، تام وأبدي. إن الله يحرك العالم كما يحرك المحبوب المحب، إنه السبب النهائي للطبيعة، والقوة الدافعة للأشياء وهدفها، إنه صورة العالم، ومبدأ حياته"

الخميس: عجيب أن تصل البشرية لمثل هذا الرقي، ثم تتوقف تماماً عن الفلسفة لمدة 18 قرناً كاملة. ملأت فيهم الأرض الصراعات التي شهدت مجيء المسيح، ثم انتشار الإسلام. وامتلأت فيهم العقول بأفكار مسلم بها لا جدال فيها. حتى قام رجل بريطاني مبجل اسمه فرنسيس بيكون، وأهم ما فعله هذا الرجل، هو أنه هز العقول من ثباتها، مؤكداً أن نصف ما نحن متأكدين منه هو غير حقيقي على الإطلاق. إن أفكارنا عن الأشياء ما هي إلا صور لأنفسنا أكثر منها حقيقة الأشياء. (تذكرت أنا طبعاً أن هذا الوقت السعيد هو نفسه الذي كان يتم فيه تكفير من يقول أن الأرض ليست مركز الكون). لقد بدأ بيكون الزلزال الذي سيستمر ويتوحش من بعده ليحطم كل المسلمات. فيجيء بعده بنحو قرن، رجل يهودي طرد من المجمع بسبب فلسفته، اسمه سبينوزا، لقد أنكر سبينوزا على الناس كثرة أحاديثهم عن المعجزات الخارقة، فكتب يؤكد "إن قوانين الطبيعة العامة وإرادة الله الخالدة هي شيء واحد، إن كل ما يحدث في العالم لا يخضع لنزوات حاكم مطلق كالملوك الأرضيين، وليست الحياة شراً والله خيراً، بل الحقيقة كما علمها الله لأيوب هي أن الله هو فوق خيرنا وشرنا وأن الخير والشر نسبيان وفي الغالب يعودان إلى أذواق البشر وغاياتهم"
بعدها بنحو قرن تقريباً قال فولتير: "إن الله قد خلق الإنسان على صورته ومثاله، فردها له الإنسان بالمثل"
أصابني الخوف من هذه الفلسفة، أحببت ما قرأت، لكنه يخيفني…يدفعني أن أفكر كثيراً جداً وأن أشك في الكثير من الأشياء…كتبت أربع ورقات مليئة بالأسئلة وقدمتها إلى الرب في صلاة طويلة قبل النوم.

الجمعة: الأجازة كالعادة، يوم سعيد…تحدثت مع أبي قليلاً وأخبرني أن الفلسفة هي شيء خطر في الكثير من الأحيان. إن فيلسوفاً اسمه روسو قد دعا إلى الثورة على المدنية، فكانت مذابح الثورة الفرنسية…وآخر اسمه نيتشة قد طالب بسيادة قانون الغاب (حق الأقوى)، فقامت وراء أفكاره الحرب العالمية الثانية. عزفت أنا على القراءة وحاولت أن أتوقف حتى عن التفكير فلم أنجح. إلى أين يأخذني هذا العقل؟ وهل هناك نهاية لهذه التساؤلات؟ وهل هناك حقيقة؟؟ أم أن الحقيقة هي مجرد "ذرات وفراغ"؟؟ ارحمني يا رب.

السبت: تشجعت قليلاً للقراءة اليوم، وكان ذلك أفضل ما فعلت، فبعد هذا العصر المضطرب المليء بالثورة العقلية، جاء رجل قصير بثورة عكسية تماماً: ثورة على العقل. يقول عمانويل كانط في كتابه ذو الثمانمائة صفحة "نقد العقل الخالص": إننا لا يمكن أن نصل لحقيقة الكون باستخدام عقولنا فقط، فحتى هذه العقول هي جزء من هذه الحقيقة، فإذا حاولنا مثلاً فهم الكون بالرياضيات فعلينا أن ندرك أن (1+1=2) هي حقيقة خاصة بعقولنا فقط، وكذلك معنى الزمان ومعنى المكان…فلا جدوى إذن من أن نحاول تفسير الله بالفلسفة، لأن الله هو خارج الزمان والمكان معاً. إن فهم الله هو بالأحرى عمل إيماني أكثر منه عقلي.

فهمت الآن أخيراً الجملة التي قالها لي أبي الروحي: "إن قليل من الفلسفة قد يجنح بك إلى الإلحاد، ولكن الكثير منها سيعود بك إلى إيمان أعمق كثيراً"

تصبحي على خير يا مذكراتي العزيزة

مراهق مصري


يا مسافر وحدك: تعليقات على التدوينة الأولى


هنا يوجد التعليقات السابقة على الجزء الأول من يا مسافر وحدك. ولسببِ ما، بقت التعليقات واختفت التدوينة

كاترينا ... راقصة الكرة الأرضية

الإهداء إلى أبو كريم الممفساوي
الجالس في المعمل، يحكي عن زائرة الليل...

عندما ترقص كاترينا

يرتج كل شيء... من تصفيق الحاضرين

تملأ أضواء الكاميرات السماء... مثل ألعاب نارية بلون البرق

تحملنا الموسيقى في الهواء... وتدور بِنا في دوائر... تُرسلنا إلى أبعد من أحلامنا

عندما ترقص كاترينا

يغمرنا الماء... ونغرق في أحضان بعضنا البعض

ونعود فقراء لا نملك إلا إرادة البقاء

فكاترينا قد حررتنا من كل صكوك العبودية

تتحرك كاترينا على أطراف أصابعها...

ترتكز على نقطة واحدة... وتدور في تسارع لا ينتهي

على خشبة مسرحها الصغير

المرسوم بشكل كرة أرضية

عندما ترقص كاترينا

يرى البعض في رقصها صلاة... ويقولون: " كاترينا تُسَبِّح"

ويرى البعض فيه غضب الآلهة... ويقولون: "كاترينا تُحَذِّر"

ولا ترى كاترينا أي فرق بين هؤلاء وأولئك

فكاترينا ترقص... لأنها راقصة

وُلدت لترقص، وتدور،

وحين ينتهى دورانها... تموت

وتبقى حياتنا مملة... حتى موعد الحفلة القادمة


يا مسافر وحدك: أرض العلماء


وداعاً أيتها الحياة التي أعرفها…فأنا مسافر إلى المجهول



الأحد: يقولون أن جاليليو بدأ حياته العلمية عندما استمع -بالصدفة- إلى محاضرة في الهندسة، وهو في التاسعة عشرة!!! أعتقد أن شيئاً من ذلك قد حدث لي أيضاً، مع كوني أصغر قليلاً. أنا لست عبقرياً، وكل ما أعرفه عن العلم أننا ندرسه في القسم العلمي…كيمياء وأحياء وفيزياء وكل منها على 50 درجة في الثانوية العامة. كما أحب في العلم الاختراعات العظيمة، مثل التلفزيون وألعاب الكمبيوتر…
ما حدث هو أنني قررت اليوم أن أفهم سر الحياة…فتحت الكتاب المقدس على أول صفحة: "في البدء خلق الله السماوات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه" !!! سألت أبي ما معنى ذلك؟ منذ كم من السنوات خلق العالم؟ وكيف حدث ذلك؟ هل الحقيقة في الكتاب المقدس؟ ضحك أبي مني وأعطاني 25 كتاباً يزيد إجمالي وزنهم على 15 كجم، وقال لي: "الحقيقة تبدأ من هنا"…وليكن!

الاثنين: منذ 2600 سنة، جلس رجل اسمه طاليس على البحر، وهذا شيء عادي، لكن الغير عادي هو أنه سأل نفسه: "كيف خلق الكون؟" وأجاب مخطئاً: "إن كل شيء كان في الأصل ماء"، لكن هذه الإجابة الخاطئة كانت هي الجملة الأولى في تاريخ العلم، فهي أول محاولة لتفسير الخليقة بدون استخدام "الآلهة" والأساطير. وقبلها كان سقوط المطر لا يحدث بسبب التكثف، ولا الشروق بسبب دوران الأرض، لكن بسبب فرح الآلهة وغضبهم ومعاركهم !!!
أتذكر أنه كانت لدي أفكار كهذه في طفولتي، وكنت أعتقد أن الله يصيبني بألم في المعدة عقاباً على تأخري…الآن أعرف أن ذلك كان بسبب محل السندوتشات بجانب المدرسة.

الثلاثاء: بعد طاليس بثلاثة قرون، اكتشف أريستاكوس أن الأرض تدور حول الشمس، لكن هذا الاكتشاف الرهيب لم يؤخذ مأخذ الجد إلا بعد 18 قرناً كاملاً، أي سنة 1500 بالضبط، وكان الناس حتى وقتها مازالوا فخورين بأن الله خلق الأرض مركزاً الكون. كوبرنيكس كان له رأي آخر، فقد أصر على أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية، وجاء جاليليو بتليسكوبه العجيب ليخبرنا أيضاً أن هذا الكون رهيب الاتساع، وأن كوكبنا "تافه"، لا يتعدى ذرة رمل صغيرة في الصحراء الكبرى. وانهار العمود الأول في هيكل مركزية الإنسان في نظر نفسه.
أنا أيضاً، جاءني وقت اعتقدت فيه بأنني شخصياً مركز الكون، وأن أبي وأصحابي والشمس والنيل وبنت الجيران (القمر)، كلهم خلقوا خصيصاً من أجلي. حتى أثبت لي التلسكوب (النظارة المعظمة في الواقع) عكس ذلك!! وها أنا، مجرد مراهق ضمن مئات الملايين، الذين يحبون بنت الجيران.




الأربعاء: أكملت قراءة بعض الإصحاحات من سفر التكوين، ثم عدت إلى كتبي وأنا في قمة الحيرة. هل قام آدم بتسمية ملايين الأنواع من الحيوانات بأسمائها؟ وهل حمل نوح زوجين من كل منها، حتى السمك والذباب والثعابين؟؟؟ وكيف استطاع أن ينزل الكنجارو في أستراليا، والبطريق في القطب الشمالي؟؟ ظلت هذه التساؤلات تشغل البشرية، حتى اقترح داروين مبدأ "الانتخاب الطبيعي"، وملخصه أن الأنواع تتكاثر، وبسبب اختلافاتها الجسدية، يستطيع بعضها أن يبقى بينما ينقرض البعض الآخر…بهذه الطريقة تطور الإنسان من الحيوان من الزواحف العملاقة من الأسماك من الطحالب من الجراثيم !!!!!
وانهار العمود الثاني في فخر الإنسان بنفسه، فقد اكتشف أنه مجرد حلقة من حلقات هذه المسيرة الممتدة عبر ملايين السنين.
لا يعجبني هذا الكلام، فربما يكون أخي أقوى مني وربما تكون أختي أذكي (أقول ربما!)، ربما هم أصلح مني للبقاء والتكاثر، وربما يتطور عنهم إنسان سوبرمان…لكني أبقى مع ذلك مؤمناً تماماً أن الله خلقني لذاتي، وأحبني كما أنا، هذا الإنسان الغبي الضعيف الذي فيّ.

الخميس: هل أنا مخير أم مسير؟ سؤال يتكرر بكثرة كلما قرأت أسماء مثل مندل أو سيجموند فرويد…عندما اكتشف مندل قوانين الوراثة، وضع حدوداً واضحة -لكن شاسعة- لما كان يمكن أن يسفر عنه تزاوج أمي وأبي (14 مليار احتمال تقريباً!!)، وعندما وضع فرويد نظريته في التحليل النفسي، دمر ما تبقى للإنسان من فخر على هذا الكوكب. نظرية فرويد -برغم كل ما بها من أخطاء- وضعت علامات استفهام كبرى عن معنى الشخصية والطبع والإرادة، أنا قضيت اليوم كله أنظر إلى كل زملائي بالمدرسة باعتبارهم معقدين، هذا متفوق بسبب عقدة نقص من طفولته، وهذا صديقي لأن لديه احتياجات عاطفية ترجع إلى وقت الرضاعة…وهكذا، وحينما انتهى اليوم شعرت بالندم الشديد وبالحنق…لا يا سيد فرويد، إذا قال العلم أن انفعالاتنا هي ردود فعل لخبرات طفولتنا فالعلم قد يكون على صواب، لكنني بكل تأكيد حر تماماً في اختيار رد الفعل الذي يناسبني، فإذا أحب أهلي اخوتي أكثر مني…قد يجعل مني ذلك أباً ظالماً أو حنوناً على حد سواء.

الجمعة: اليوم أجازة وعندي وقت أكثر لكي أقرأ، تركت العلم جانباً وانهمكت في قراءة كتاب عن "التكنولوجيا"، هذه المنتجات الرهيبة الغريبة العجيبة اللذيذة الخطيرة التي ابتكرها العلماء…ينظر إلى جدي في عجب ويمصمص شفتيه قائلاً: "جيل كمبيوتر"، ياجدو…أنتم كنتم جيل القنبلة الذرية وصعود القمر والتلفزيون، ولم تكن كلها أشياء طيبة ولا شريرة…نحن جيل الكمبيوتر والموبايل والدش والانترنت، وأولادي سيكونون جيل الاستنساخ وربما يرى أحفادي السفر عبر الكواكب!!! لست أخشى التكنولوجيا ولا أنبهر بها في الوقت ذاته، لكني من اليوم سأحاول أن أفهمها وأفهم ما وراءها من العلم…وهذا التزام مني لك يا مذكراتي العزيزة.

السبت: منذ أقل من مائة وخمسين عاماً، اعتبر الناس اختراع التطعيم تحدي للسماء وإرادة الله، ورفضوا تخدير المرأة لأن الله أخبرها في العهد القديم أنها "بالوجع ستحملين وتلدين"!! الآن تدور المناقشات حول الاستنساخ إن كان حرام أو حلال…وبينما تتحرك الدنيا الآن بسرعة الميجاهيرتز، مازلنا نحن -كما قرأت في الجريدة- نحتفل بعلماء يحاولون التنبأ بالمستقبل بتحليل الإنجيل بمعادلات رياضية، ويخترعون نظريات لاكتشاف سرعة الضوء من القرآن وقراءة اسم الجلالة في الخلايا الحية…اللهم لا اعتراض!!!!
يقولون في الكتب أن عقولنا، بإمكانياتها الحالية، لن تستطيع أن تتوافق مع هذا التقدم الرهيب في العلم والتكنولوجيا، وأننا بحاجة إلى عقول جديدة لكي نتمكن من الحياة في هذا العالم الجديد…صليت اليوم إلى الرب أن يعطيني أن أطور عقلي بالطريقة التي يريدها وللهدف الذي يريده…

تصبحي على خير يا مذكراتي العزيزة
مراهق مصري

ملحوظة: لسببٍ ما، ضاعت هذه التدوينة بعد أن نشرتها، فها أنا أنشرها مرة ثانية، وأتبعها بجزءها الثاني خلال ساعات.


Sunday, August 28, 2005

استطلاعات الرأي: محاولة للفهم



دخلنا مرحلة استطلاعات الرأي، وفوضى استطلاعات الرأي.
لمدة الأيام الخمسة القادمة، سوف نقرأ كل يوم عن نتائج استطلاع يخبرنا من سيكسب الانتخابات القادمة.
وستكون النتائج مغايرة تماماً لبعضها، وسيكون معظمها لا علاقة له بالحقيقة.
وقد بدأت النتائج بالفعل، فهنا يكسب أيمن نور بلا منازع، وهنا يكسب مبارك وكأنه هو المرشح الوحيد، وكل من الإثنين يدعي أن مصدره هو آراء الجماهير.
ولأن كل ما يحدث هو فرصة لكي نتعلم، فالسطور القادمة تحكي بإيجاز شديد عن كواليس استطلاعات الرأي في العالم المتطور... ولعلنا نقرأ ونفهم.

الهدف من عمل استطلاع للرأي حول التصويت في الانتخابات هو توقع نتيجة الانتخابات. جملة شديدة البساطة. وبالتالي، فالاستطلاع الجيد هو من يقدم نتائج هي الأقرب للنتيجة النهائية.

في الدول "الديمقراطية"، يعتبرون أن استطلاعات الرأي عملية علمية بحتة، يقوم بتحضيرها أساتذة دراسات اجتماعية وإحصاء من أكبر الجامعات، وتشرف على الاستطلاعات مؤسسات محايدة، تعطي درجة لكل جهة تقوم بالاستطلاع، وتُحَتِّم على هذه الجهات أن تنشر هذا التقييم بجانب نتائج الاستطلاع. كما تتم المقارنة سنوياً بين نتائج الاستطلاعات المختلفة والنتيجة الحقيقية للانتخابات، ويتم تعديل طرق الاستطلاع التي فشلت في الاستنتاج لتؤدي بطريقة أفضل في العام التالي.

فما الذي يجعل الاستطلاع ناجحاً؟؟

يتم عمل استطلاعات الرأي من خلال التليفون أو وجهاً لوجه، حيث يتم التأكد من شخص المُجيب ومن أنه ضمن الكيان المطلوب دراسته (في حالتنا مثلاً، الكيان هو المصريون الذين لديهم بطاقة انتخابية وينوون الإدلاء بصوتهم يوم الانتخاب – حيث أن أي شخص خارج هذه الشروط رأيه لا يعبر عن نتيجة الانتخابات). وهناك بالطبع قواعد لا حصر لها للتأكد من أن لا "السؤال" ولا "السائل" يقومون بتوجيه المُجيب في أي اتجاه.

يتضمن كل استطلاع ما بين ألف إلى ألفين شخص، وهذا الرقم كافي جداً ليعطينا فكرة قريبة عن نتائج الانتخابات. وهذه هي معجزة العلم الإحصائي – بدون دخول في التفاصيل -. فعينة بحجم ألف شخص تعطينا خطأ حوالي + أو – 3% فقط على كل إجابة من الإجابات.

يتم اختيار العينة بطريقة عشوائية، وبطريقة تحاكي تقريباً التوزيع الحقيقي للفئات المختلفة في المجتمع الذي ندرسه. ففي مصر، ينبغي أن يشمل أي استبيان انتخابي كل محافظات مصر، رجال وسيدات وأنسات، فقراء وأغنياء، عاملين وعاطلين... وتزيد على ذلك بعض طرق البحث بأن تضيف وزناً مختلفاً لإجابات الفئات المختلفة بحسب وجودها في المجتمع المستهدف. (كان المتبع مثلاً أن يتم اختيار العينة من المقيدين بدليل التليفونات – ثم اكتشف علماء الاجتماع أن نسبة كبيرة من الشباب تكتفي بالمحمول وليس لها رقم تليفون أرضي، وبالتالي فالعينة غير عشوائية).

وكما ذكرت، يتم استبعاد كل من دلت إجاباته على الأسئلة أنه غير مسموح له أو غير راغب في التصويت، أما من يقول أنه لم يقرر بعد من سينتخب، فيتم توزيع إجاباته بناءً على عدد من القواعد التي أشرحها لاحقاً. وتؤثر آراء هؤلاء "الذين لم يقرروا بعد" بشكل رئيسي على النتائج الأخيرة.

كما أنه لا يسمح إطلاقاً بقبول متطوعين للإجابة، خوفاً من أن يقوم أحد الأحزاب بتوجيه مؤيديه لإغراق اسبيان معين بإجاباتهم، مؤثرين بالتالي على نتائجه، بغرض الإيحاء للناس بقوة مرشحهم.

إذا اعتمدت كل الاستطلاعات على نفس الطرق، هل تأتي بنفس النتائج؟؟

بالإضافة إلى الخطأ الإحصائي العادي، هناك عدد من العوامل يؤثر على النتيجة، أهمها وقت عمل الاستبيان. الدراسات النفسية تقول أن الاستبيانات تقيس "هوى" الناس في مرحلة ما، ولا تقيس معتقداتهم العميقة. وهوى الناس يتقلب كثيراً في أيام الحملات الانتخابية، بل وحتى لحظة التصويت. حيث يُغير الكثير من الناس رأيهم وهم أمام هيبة "القرار النهائي". وهناك بالتالي دول كثيرة تقوم بعمل استطلاعات للخارجين من اللجان الانتخابية، وذلك في محاولة لاصطياد أي تغيير عن نتائج ما قبل يوم الانتخاب.

كما أن التجربة أثبتت أن تغير هوى الناس لا يظهر في إجاباتهم سريعاً، فهناك فرق يومين تقريباً بين التغيير في رأيي وقدرتي أن أعبر عن هذا التغيير في إجابة سؤال.

والدراسات تقول أنه من كل 20 استطلاع هناك واحد من المحتمل أن تكون نتائجه بعيدة تماماً عن الحقيقة، وهذا نوع آخر من الخطأ الإحصائي. ولذلك يجب الاعتماد عادة على أكثر من استطلاع واحد للتأكد.

الخطأ الإحصائي ... الخطأ الإحصائي ... يعني إيه؟؟

من المهم جداً أن نفهم هذا الجزء، عندما نقول أن نتائج أي استبيان مؤكدة "زائد أو ناقص 3%"، فهذا ينطبق على كل إجابة منفصلة من الإجابات (إلا قليلاً):

فلو كان هناك مرشحين فقط: "أحمد" و "الحاج أحمد"، وحصل "أحمد" على 52%، و"الحاج أحمد" على 48%، فمازال هناك فرصة أن يكسب "الحاج أحمد" الانتخابات، بأن يزيد 3 درجات وينقص منافسه 3 درجات فيصبح هو الفائز

ولو كان هناك ثلاث مرشحين: حصلوا على 52%، 45%، و3%... فمازالت الانتخابات غير محسومة أيضاً، فالمرشح الثاني يمكنه أن يحصل على 5 نقاط، بينما يخسر الأول والثالث 2.5 نقاط كل منهما، ويكسب الثاني. (ولأنني أقول "إلا قليلاً"، فالمرشح الثاني لن يحصل على ال6 درجات كاملة)

وهكذا... كلما ازدادت عدد الإجابات، ارتفع الخطأ الإحصائي

ولو عندنا استبيان به 12 إجابة (عشرة مرشحين، و "سأبطل صوتي"، و"لا أعرف")، هذا الاستبيان يمكن أن يظهر في نتائجه أن مُرشح يتقدم على آخر بنسبة عشرين بالمائة، ولا يعني هذا شيئاً. ولذلك يتم عادة حزف كل الإجابات التي نتائجها أقل من 5%، ويتم الاكتفاء بأربعة اختيارات على الأكثر.

هل تؤثر الاستطلاعات على نتيجة الانتخابات؟؟

من الثابت أن نشر نتائج الاستطلاعات لها تأثيرات مختلفة على الناس (أترجمها بلا محاولة لتوخي الدقة):

العربة الرابحة Bandwagon: يصوت بعض الناس لصالح المرشح المحتمل فوزه
الكلب الخاسر Underdog: يصوت بعض الناس لصالح المرشح الخاسر
الثقة المحبطة De-motivating: لا يذهب البعض للانتخاب لثقتهم في فوز مرشحهم
القلق المحفز Motivating: يذهب البعض للانتخاب في اللحظة الأخيرة خوفاً على مرشحهم
الإرادة الحرة Free Will: يتعمد البعض التصويت عكس الاستطلاعات لإثبات أنها خاطئة


كما أن هناك نظرية – تُذكر في نفس السياق – أن من لم يقرروا بعد غالباً يقررون ضد الرئيس الحالي، ولكن ليس بالضرورة ضد منافسه الأقرب.

ولكل ما تقدم، فقد كان هناك حوارات في كل دول العالم تقريباً حول السماح بنشر استطلاعات الرأي قبل الانتخابات مباشرة أو في يوم الانتخابات. وقد انتصرت المحاكم الدستورية في الكثير من البلاد لحرية الرأي والنشر، لكن المعركة جاءت ببعض الخسائر في دول أخرى من بينها مصر.

في الفلبين حكمت المحكمة الدستورية بحق نشر الاستبيانات في 2001، في تايوان يُمنع النشر قبل الانتخابات بعشرة أيام، في الهند كان المنع يمتد لأكثر من شهر قبل الانتخابات، ثم ألغت المحكمة الدستورية هذا القانون، في كندا كان النشر يُمنع قبل الانتخابات بثلاثة أيام، وأيضاً قضت المحكمة الدستورية في 1998 بعدم دستورية ذلك.


وملحوظات أخيرة...

حاولت أن أجيب عن عدد من الأسئلة المتعلقة باستطلاعات الرأي الخاصى بالانتخابات، وكان هدفي الأساسي هو أن نعرف كيف تحدث الأشياء في العالم الذي تأخرنا عنه عشرات السنين.

وتذكرت كثيراً وأنا أقرأ عن الموضوع، ثورة العناترة (جمع عنتر) حين قال أحمد نظيف أننا شعب غير ناضج في مسألة الديمقراطية هذه. طبعاً كان مخطيء ويستحق كل ما تعرض له، لأن المصري الأصيل سينتفض بعد سبعة آلاف عام من الديكتاتورية وسيجد في نفسه يعرف كل شيء عن هذه الدنيا التي لم يختبرها يوماً...

أقترح عليكم أن تدخلوا على هذا الموقع، ستجدوا دروس لكل مرحلة سنية، من ابتدائي إلى ثانوي، لتعليم أصول السياسة والديمقراطية منذ الطفولة. اقرءوا باهتمام، وستفهموا أين نحن وأين هم.

كلمة أخيرة: كل ما قيل عن الاستطلاعات ينسف تقريباً مصداقية أي استطلاع رأي على الإنترنت، فلا العينة عشوائية ولا محايدة، ولا الغش ممنوع، ولا الأسئلة مركبة، ولا التحليل علمي... لكن هذا لا يمنع أننا نستمتع بها ونستخدمها كنافذة على الأقل لاستطلاع رأي مرحلة سنية وطبقة اجتماعية معينة. لكن المهم هو ألا نحملها أكثر مما تحتمل.

مراجع:

http://www.pbs.org/elections/kids/educators.html
http://www.usatoday.com/community/chat/1013norman.htm
http://whatdoiknow.org/archives/000533.shtml
http://www.nscb.gov.ph

http://www.mori.com





Saturday, August 27, 2005

نتيجة استطلاع، واستطلاع جديد، وموضوع جديد


أضع نتائج الاستطلاع الخاص بالمناظرات الرئاسية،

37 شخص، وطلب عارم (62%) لمناظرة بين مبارك ونور ...

ثم أضع استطلاع رأي جديد (تحت على اليسار). أرجو أن يجيب عليه فقط المستحقين (المصريون الذين لديهم بطاقة انتخابية). قولوا لنا ما هو وضعكم الحالي؟؟

وخلال ساعات، أنشر موضوعاً خاصاً عن استطلاعات الرأي

Thursday, August 25, 2005

الأهرام وعدالة التوزيع: فضيحة بالسنتيمتر



وحق الساعات العشرة التي قضيتها في الاعداد لهذا المقال...

اقرءوا هذه الفضيحة، اطبعوها، احكوا عنها، انشروها للجميع

يقولون أن كل مرشح لديه الحق في مساحة متساوية في كل وسائل الإعلام القومية، وعلى ذلك، فقد قررت أن أخوض الاختبار بنفسي.

بالمسطرة والقلم، أمسكت جريدة الأهرام لمدة ثلاثة أيام متصلة، حسبت المساحة بالسنتيمتر المربع لكل مقال كُتب عن مرشحي الرئاسة وبرامجهم، والتزمت بالقواعد التالية:

1. المساحات التي دخلت في الحسبة هي فقط التي تروج بصورة مباشرة لأحد المرشحين، والتي تُعتبر جزءاً من مقالات الأهرام "المجانية" - غير المدفوعة-.

2. لم آخذ في الحسبان أي إعلانات، سواء تلك المدفوعة من الأحزاب أو التي يتطوع لنشرها رجال الأعمال وشركات قطاع الأعمال (المملوكة للحكومة)

3. لم آخذ في الحسبان أي كلام عن أنشطة الرئيس العادية من سياسة خارجية وخلافه (والملحوظ إنها نادرة في الأيام الماضية)

4. لم آخذ في الحسبان ملحق الأهرام الانتخابي.

5. دخل في الاحصاء خبرين فقط عن قرينة الرئيس.

والنتيجة؟؟؟

كان المفروض أن يحصل برنامج كل من المرشحين العشرة على 10% من المساحة المخصصة في الأهرام لتغطية الانتخابات...

أما ما يحدث بالفعل، فهو أن برنامج مبارك وحده ينال ما متوسطه 85% من المساحة المخصصة يومياً، وتتوزع ال15% الباقية على المرشحين التسعة ...

أي أن الرئيس يأخذ أكثر من حقه ثمان مرات، وكل مرشح يأخذ أقل من ثُمن حقه.

الصورة عندكم...اقرأوها (اضغط هنا لترى الصورة مكبرة)

وحق الساعات والسنتيمترات...أتحدى أن يُكذب أحد هذا الكلام

ملحوظة: أعيد نشر هذه التدوينة بعد بعض التصليحات اللغوية دون تغيير كلمة واحدة. (أضفت رابط للصورة المكبرة)

تعليقات: من التعليقات المثيرة على الطبعة الأولى - بحسب محمد -، جريدة المصري اليوم أجرت تحليلاً مشابهاً، بحساب عدد الكلمات في كل الجرائد القومية في يوم واحد وتوصلت أن الرئيس مبارك يحصل على 82% من المساحة الكلية لتغطية الانتخابات.

يقول علاء أن مركز القاهرة توصل إلى نفس النتيجة تقريباً والله أعلم.





Tuesday, August 23, 2005

هذا الرجل يستحق بعض الأصوات



أعجبني أسامة شلتوت...

فهو مصري صادق النية، طيب الملامح والشخصية، وهو جاد في البحث عن الحقيقة والالتزام بها.

وحين يتكلم شلتوت عن الآخرين فهو لا يُجامل ولا يبحث عن كلمات "وسطية"، لكنه يحترم الجميع، فينتقد مبارك، لكن يلقبه ب"الريس مبارك" - بلهجة فيها شيء من الحب!! - ، ويحكي عن "الأستاذ صفوت"، والأستاذ "كمال حلمي".

أعجبني أسامة شلتوت...لكني لن أنتخبه، فأنا أختلف مع الكثير من أفكاره، كما أن الرجل يعيش في عالم "مثالي" ساذج، هو يرى نفسه على غير حقيقتها، ويرى العالم من خلال نفسه. لكنه - أكرر- شخص صادق.

كل من رأيت من مرشحين حتى الآن أجبروني أن أستبعدهم تماماً من حساباتي بعد الدقائق الخمس الأولى، أما هذا الرجل، فمع أني لن أنتخبه، إلا أنني أحببت الاستماع إليه، وأحب مناقشته في المستقبل، واستضافته في موقعي للحوار معه.

يدَّعي شلتوت أن له فلسفته السياسية الاقتصادية الاجتماعية الدينية الخاصة، فلسفة "التكافل".

وتطبيق "التكافل" اقتصادياً يعني بالنسبة له أن يُوزع جزء من "خيرات مصر" على كل المصريين بالتساوي (مئه جنيه شهرياً)، ويترك الباقي للمنافسة المفتوحة!

لكن الرجل المجتهد لديه دراسة من ألف صفحة للقضاء على البطالة. وإن كان أحد مبادئها أن نُخير المستثمرين في المشاريع المسموح لهم اقامتها، ولا نترك لهم القرار حراً، وأنا أعتقد أن هذا كفيل بعزوف المستثمرين عن الاستثمار أساساً.

وتطبيق "التكافل" على السياسة الداخلية جعل شلتوت يقترح حكومة ثلثها من الحزب الوطني، ثلثها من المعارضة والمستقلين، وثلثها من حزب التكافل (فيهم زوجته وإبن عمه)

وقد أعجبني في حكومته اختيار أبو غزاله وزيراً للدفاع، ورفعت السعيد - حزب التجمع - للثقافة أو الإعلام. وأعجبني أنه فصل وزارة الشباب عن وزارة الرياضة والبطولة (الأولى أعطاها لحمادة إمام والثانية لمحمود الخطيب، طبعاً لأجل التكافل بين الأهلي والزمالك).

و"التكافل" في السياسة الخارجية يعني أن ننظر أولاً إلى دائرتنا المقربة - دول حوض النيل - ونتكافل معهم، ثم ننظر إلى الدائرة العربية ثم الإسلامية ثم العالمية. وأعجبني هنا أنه يرى التكافل ليس على مستوى الحكومات، بل على مستوى الشعوب: الجمعيات الأهليه، الإذاعة والتلفزيون، الرياضة... وهكذا

وأقسم شلتوت أن يكون أول قراراته هو قانون محاسبة رئيس الجمهورية، حيث يُحاسب الرئيس بعد ثلاث سنوات من حكمه (نصف المدة)، وإذا لم يف بوعوده فليعزل أو يسجن من ثلاث إلى سبع سنوات. ولا أعلم لماذا لم يفكر في أن يختصر مدة الرئاسة إلى أربع سنوات وخلاص!! ومن الذي سيسجن رئيس مصر إن شاء الله؟؟

أما "تكافل" شلتوت الديني فهو مُحير إلى حد كبير. فهو يُطالب بجمع كل علماء الأديان والوثنية والإلحاد في قصر كبير، ونتركهم يتباحثون ويتحاورون، ثم يخرجوا علينا ليخبرونا بالدين الحق. ويقول أن كل شخص من حقه بعد ذلك أن ينضم لهذا الدين الحق أو يبقى على دينه. ويتصور أنه بذلك سيقضي على مشكلات صراع الأديان في العالم.

ويقول شلتوت: "لو كان رئيس أمريكا مسلم، فلنتركه يحكم العالم" !!!!!!!!!!!!!

ويعتمد شلتوت بشكل أساسي على كونه من الأشراف (سلالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم)، وشعار حملته: "حرام واحد من التسعة يبقى رئيس مصر، وعندنا الشريف/ أسامة شلتوت).

ويرى شلتوت أنه أفضل المرشحين لأن كلهم "أحاديو التأهيل"، بينما هو - بجلالة قدره - خماسي التأهيل (دارس محاسبة وحقوق واقتصاد ودراسات إسلامية وعسكرية).

ورغم كل هذا الكلام اللي في اللابوريا، أو في عالم والت ديزني، فقد أعجبني أسامة شلتوت بحق، وأتمنى أن يحصل على بعض الأصوات ليبتسم. وأتمنى أن ألتقى به مرة وجهاً لوجه، ليستمر الحوار.





هل تؤيد عقد مناظرات بين مرشحي الرئاسة؟؟


استطلاع جديد للرأي (تحت على الشمال)
قولوا رأيكم أفادكم الله ...

نزولاً على التعليقات، أضفت احتمالين جدد: مناظرة بين أربعة من مرشحي الظل، و"إجابات أخرى" لمن لم يجد ضالته في الإجابات الموجودة، وإن كنت أفضل أن نحاول الاختيار من الموجود

حتى الآن تتزعم المطالبة بمناظرة ما بين مبارك ونور الترشيحات، تليها مناظرة ما بين نور وجمعة.


Saturday, August 20, 2005

استسهالاً أم استهبالاً: أراجوزات الانتخابات


تابعت حتى الآن ثلاثة من مرشحي الظل في انتخابات الرئاسة (وذلك باعتبار أن مرشحي النور هم مبارك وجمعة ونور بحسب شهرة ما قبل الانتخابات)

وكل ما أستطيع أن أقول هو "مسخرة"

ما بين مرشح للرئاسة يعلن أنه شخصياً مقتنع بمبارك وسينتخبه، وآخر يدعو - كرئيس جمهورية - إلى مظاهرات في الشوارع كأسلوب لمقاومة احتلال أمريكا للعراق، ويؤكد عودة القطاع العام ويعتمد في حملته أن مصر كلها من "المسلمين العرب"، وثالث يدعو إلى "وحدة أفريقية" يحكم فيها كل زعيم بلده كما يشاء وبلا تدخل من أحد !!؟؟!!

وأخذ الثلاثة "راحتهم" في الجلوس والضحك والعصبية وحركات الوجه، بما لا يتفق مع أبسط قواعد الأداء التلفزيوني لمرشح انتخابات.

في تقديري كمشاهد يبحث بلهفة عن اكتشاف زعيم محتمل جديد، أن الأداء العام للثلاثة كان كارثة تصيب بالإحباط... وتؤكد أنه "مافيش فايدة"

وأتساءل لماذا؟ وأجد ثلاثة تفسيرات:

1. بما أن هؤلاء المرشحين لا أمل لهم فعلياً، فهم لا يتعاملون مع الموقف بجدية

2. هذه هي حدودهم الحقيقية وحدود خبرتهم، وهذه هي برامجهم التي يعتقدون أنها جيدة

3. هناك اتفاق أصلاً بين هؤلاء وبين الحزب الحاكم، ليقوموا بدور "الكومبارس" في لعبة تستهدف أساساً "تخويف" الناس من عواقب انتخاب من لا يعرفونه.

وأتصور أن الاحتمال الأول غير مقبول، فبغض النظر عن فرصة الفوز، إذا كنت رئيس حزب، ولديك الفرصة أن تظهر أمام كل وسائل الإعلام بصورة مكثفة، وأن تعرض نفسك كرئيس جمهورية محتمل، فلا يوجد أي سبب يمنعك من أن تبذل كل الجهد الممكن في أن تظهر بمظهر جيد، لعل ذلك على الأقل يأتيك بمقاعد في مجلس الشعب، أو يحصل لك على أصوات يفتخر بها أبناءك. وإلا فلماذا دخلت اللعبة أصلاً؟؟

فأما الاحتمال الثاني، فهو يدور حول تعريف "كل الجهد". وهنا المقياس مختلف بالنسبة لكل إنسان، لكننا نتحدث عن رؤساء أحزاب، رأوا في أنفسهم الكفاءة لقيادة وطن!!! ألم يقرأ واحد منهم أبسط كتب "كيف تكون مقنعاً" مثلاً، بل ألم يقرأ واحد منهم كتاب "الأمير" لميكيافيلي والذي تكرمت مكتبة الأسرة وقدمته لنا بجنيهين منذ عامين أو ثلاثة. ألم يتابعوا مناظرات الرئاسة الأمريكية؟؟ ألم يحضروا أي مؤتمرات اقتصادية؟؟ ألا يشاهدوا البرامج الجادة على الفضائيات؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ هل هو الاستسهال، أم أن حال مرشحينا هو علامة واضحة عن مقدار النضج السياسي في طبقة محترفي السياسة؟؟

إننا نتحدث عن مستوى بديهي من التحضير والقدرات، لا علاقة لها بهذه الانتخابات، بل هي في الأساس أشياء مطلوبة في أي "مدير"، فما بالكم برئيس حزب.

أما الاحتمال الأخير فهو مرفوض بالنسبة لي - رغم أن الكثيرين سيعتبرونه هو الاحتمال الوحيد - فأنا لا أتصور أن يقبل أي إنسان القيام بعمل نجاحه فيه هو أن يفشل. إن العاهرات يبذلن كل الجهد كي يُسعدن الزبائن، لأن ذلك هو ما يضمن لقمة العيش، والجواسيس يفعلون كل شيء من أجل أن يكونوا محط إعجاب، لأن هذا هو ما يوفر لهم العلاقات والمعلومات... وأنا لا أتصور أن يقبل رئيس حزب مصري اتفاقاً يضعه في مرتبة أقل من العاهرات والجواسيس، فيكون هدفه هو أن يطل علينا "كأراجوز" لا يُضحك، يريد أن يقنعنا أنه لا يصلح، أو أن غيره هو الذي يصلح.

أشفق عليهم من قسوة الكلمات...ثم أعود فأشفق علينا من مستقبل لا رجاء فيه


Wednesday, August 17, 2005

الكنيسة والسياسة: حديث أخير


بمنتهى الصدق أقول أن أكثر ما أثر فيَّ خلال هذا الحوار حول العلاقة بين الكنيسة والسياسة هو المشاركات العميقة - وإن كانت قليلة - للإخوة المسلمين، وهؤلاء الذين استطاعوا أن يتجاوزوا العنوان - الذي يبدو محلياً جداً - إلى المعنى الذي يمكن أن يصيرموضوعاً لحوار عالمي تاريخي بدأته الدنيا من ألاف السنوات ولم تنته منه بعد: الدين والحياة...

شاركني درش في الدعوة للحوار، ثم اقترح أن يمتد الحوار ويستمر ليشمل علاقة الإسلام بالدولة، ويقول "وأعني بالإسلام المؤسسات الدينية و"رجال الدين" والأفراد العاديين، ليتنا نستطيع أن نتوصل إلى أفضل صياغة يجب أن تكون عليها العلاقة بين معتقادتنا وتنظيم مجتمعنا".

وعلق قاريء - غير مدون وقع بإسم "مصطفى عبد العزيز"* -، مؤكداً أن كل الأديان ترفض أن تعقد صفقات "عملية" مشبوهة، وإلا "تفقد (الأديان) كل شيء"

وتوالت التعليقات - من مافي وابن عبد العزيز ورامي ودرش - لتؤكد بأشكال مختلفة أننا جميعاً نتفق أن "الدين له دور عميق في المجتمع"، وأن المشاركة الإيجابية للمؤسسات الدينية في تفعيل دورها هي واجب عليها. واتفقنا تقريباً أن هذا الدور ينبغي أن يكون مرتبطاً بالفلسفة والمبادئ العامة للحياة بكل جوانبها بما فيها السياسية منها، وأن هذا الدور لا ينبغي أن يتجاوز حدودة ليدخل في "تفاصيل" الاختيارات الحياتية لأفراده، إلا فيما يتعلق بحظر أحد الاختيارات لأنه "يتعارض مع الإيمان".

وربما نكون اختلفنا قليلاً في العلاقة بين الكنيسة - ككيان اعتباري - وقائدها والعاملين فيها بصفتهم الشخصية. وأحسب نفسي مع الرأي القائل بأن كل من ارتضى أن يتولى منصباً اعتبارياً عليه أن يتحمل العبء الناتج عن ذلك، والذي يجبره أن يكون شديد التحفظ في التعبير عن وجهات نظره الشخصية والتصرف بحسبها. فبرغم أنه حق شخصي، فأنا لا أتصور أن يعلن رئيس مصر مثلاً - في حوار شخصي - أنه يحلم بأن تزول إسرائيل من الوجود (وقد فعلتها بالأمس بالمناسبة مذيعة الساعة العاشرة على قناة دريم)، فرأيه الشخصي هنا ينسحب على الكيان الذي يمثله.

وبالمناسبة، فقد نشر الأهرام يوم أمس حديثاً جديداً للبابا شنودة، أكثر شخصية، لكنه يحمل الرسالة الترويجية ذاتها للرئيس مبارك!!!

اكتشفت بالمصادفة ثائر قبطي ينشر من أمريكا، ولا أقول بأني قرأت كل ما قال، ولا بأنني أتفق مع كل ما قرأت، لكن الشيء بالشيء يذكر، ولذا لزم التنويه

وأخيراً، أعلن واحد من مصر أنه ينوي أن يفتح الحديث في مدونته عن الدين والسياسة، فلعلنا نجد عنده المزيد.

***

وضعت سؤال أجاب عليه 24 فرد، أترك لكم تحليل الإجابات بلا تعليق. لكن تذكروا طبعاً أن الناس فهموا السؤال بطرق مختلفة، فما هي "الكنيسة"؟؟، وما هو المقصود "بالأراء السياسية"؟؟. وعموماً الأرقام ليست بعيدة، وتظهر فيما يبدو نوع من الميل نحو الوسطية.

***

نحاول أن ننهي إذن ما بدأناه، فيكون لدينا نقطة ننطلق منها للأبعد. اقترح رامي أن نكتب رسالة إعلان مبادئ تُصَّعَد للأساقفة في المجمع المقدس، وأيد الكثيرون الاقتراح. إذن أحاول أن أكتب بضعة سطور كبداية، وأنتظر تعليقاتكم عليها حتى تصل لمرحلة النضج، وبعدها يمكن أن ننشرها لجمع التوقيعات ثم ننظر في أسلوب توصيلها.

" نحن جماعة من المصريين، مسيحيين ومسلمين، مختلفين في اتجاهاتنا وأفكارنا، لكن متفقين في احترام اختلافاتنا، ومتفقين في احترام أدياننا والكيانات التي تقودها، ومتفقين في حب مصر، والحلم بها وطناً حراً للجميع، نعيش فيه ما نتعلمه من إيماننا... نرسل هذه الرسالة إلى أساقفة المجمع المقدس، ونرجو أن يقبلوا منِّا ما كتبناه، وقد كتبناه باتضاع من لا يعرف الحقيقة، وبرجاء من يثق أن الله وحده هو القادر أن يصنع من جهلنا حكمة، ومن ضعفنا قوة...

نقترح أن تتبنى الكنيسة القبطية المبادئ الآتية، في إعلان واضح، لكن بالأحرى في الممارسات اليومية والوعظات والاجتماعات المقامة في الكنائس، وذلك خلال الأسابيع القادمة - فترة ما قبل الانتخابات - وكلما دعت الحاجة إلى تجديد الرسالة.

1. تشجع الكنيسة جميع أفرادها من غير المكرسين على التفاعل الإيجابي مع الأحداث السياسية والحراك الاجتماعي في مصر والعالم، وترى أن القيام بدور إيجابي في العالم هو أحد المعاني الأساسية في حياة المسيحي المؤمن. وتشجع الكنيسة كل فرد أن يقوم بدوره بالطريقة التي تمجد الله، وتحقق الخير لكل إنسان.

2. تؤكد الكنيسة على أن السلوك المسيحي لا يتضمن اللجوء لأي شكل من أشكال العنف أو الإساءة بالفعل أو القول لأشخاص أياً كانت انتماءتهم أو عقائدهم أو لكيانات أياً كان ما تعبر عنه، وتؤكد أنه طالما يشارك المسيحي بإيجابية ودون المساس بأخلاقيات الحياة المسيحية، فلكل فرد الحق في اختيار انتماءاته والوسائل التي يستخدمها للتعبير عن رأيه. وتتمنى أن يصير كل مسيحي قبطي "صانع سلام" في الأماكن التي يمارس فيها حياته ويعبر فيها عن رأيه.

3. تعلن الكنيسة أن أبناءها من المكرسين لهم دور واضح هو أن يجعلوا من الكنيسة مكاناً يتعلم فيه الأفراد كيف يعيشون إيمانهم، وبأنه لا يحق للممكرسين ممارسة الأنشطة السياسية أو الدعوة إلى توجهات أو إلى تأييد أشخاص أو كيانات بعينها. وأن ما يصدر عن أي مكرس بهذا الشأن ليس ملزماً لرعيته من الأفراد، حيث أنه لا يعبر إلا عن رأيه الشخصي. وتطالب الكنيسة في ذات الوقت أبناءها المكرسين أن يلتزموا التحفظ في إعلان أرائهم الشخصية حتى لا تتسبب في نوع من البلبلة.

قارئي العزيز، هل سيسمعنا أحد لو قلنا هذا الكلام؟؟ هل يهم أصلاً لو سمعنا أحد؟؟ إننا نتكلم لكي نعرف أننا أحياء!!!

* ملحوظة كوميدية: القارئ اسمه مصطفى عبد العزيز، هل ياترى هو درش + ابن عبد العزيز؟؟؟


Friday, August 12, 2005

هل اتخذت الكنيسة قراراً مناسباً بتأييد مبارك؟


لأن الموضوع هام - وليس بالضرورة حقيقي -، أستمر في الكتابة...
أنهينا السؤال الأول : "هل يحق للكنيسة القبطية أن يكون لها موقف سياسي؟"، وبقى ثلاثة أسئلة. لكن أولاً، وكما وعدت، ألخص التعليقات لتسهيل المتابعة (أتمنى ألا يشوب تلخيصي أي تحريف، عموماً يمكنكم قراءة التعليقات كاملة في التدوينات السابقة):

علق رامي على قرار عدم الحج للقدس، وبيان تأييد مبارك، وقرار استبعاد القس من وجهة نظر "دستورية" بحسب تعبيره، وهو يرى - بغض النظر عن رأيه في القرارات نفسها - أن كلها قرارات من حق الكنيسة ومجمعها المقدس.

واتفقنا أنا وميلاد ورامي على أن "الكنيسة يجب أن يكون لها رأي في أحداث العالم"، يقول رامي "الكنيسة ليست سوبر ماركت لتوزيع البركة"، ويقول ميلاد أن "الدعوة لفصل الإيمان عن السياسة لا معنى لها"، واتفقنا مع ذلك أن مواقف الكنيسة من حيث كونها مؤسسة دينية، ينبغي أن تكون على مستوى مختلف، فيتحدث رامي عن نوع من المواقف العامة:

1. تشجع الكنيسة أفرادها على التفاعل مع عالمهم

2. تشجع الكنيسة أفرادها على المشاركة الإيجابية اللا عنيفة في كل حركة سياسية مطروحة بحسب ما يراه كل فرد

3. تمنع الكنيسة خدامها المكرسين من الانضمام لأحزاب أو الانحياز لمرشح

4. يُمنع الأشخاص ذوي المسئولية الروحية من التأثير على أي فرد في قرار سياسي، ولا يتم الربط بين مواقف الأفراد السياسية وحقهم في الحياة داخل الكنيسة.

5. تواصل الكنيسة إبداء رأيها في أمور العالم والسياسة (مثلاً: مقاومة الاحتلال في المفهوم المسيحي، معنى المساواة، رأي الكنيسة في الإرهاب، ...)

واقترح رامي أن نقدم رأينا في نهاية الحوار إلى أساقفة الكنيسة.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فوجب أن أدعوكم لقراءة رؤى مصرية، وموضوعها الوحيد تقريباً هو اندماج الأقباط والكنيسة في المجتمع السياسي المصري.

ملحوظة عابرة: أريد أن أؤكد أنني لا أعتبر هذا الحوار حكراً على الأقباط أو حتى المسيحيين، فأرجو ألا يتردد من له رأي في المشاركة.

***
السؤال الثاني: بغض النظر عما اتفقنا عليه في أنه لا يصح أن تؤيد الكنيسة مرشحاً للرئاسة، هل اتخذت الكنيسة قراراً "مناسباً" بتأييد الرئيس مبارك لفترة تالية؟؟

أقول أنه - إذا توافرت فيه بعض الشروط - قرار غير خاطيء من الجهة العملية البحتة، لكنه يقترب من مرتبة "النكسة" من الجهة الأخلاقية. وأفسر:

1. من الجهة العملية "السياسية" الميكافيلية البحتة، أتصور أن يقدم البابا شنودة على عقد نوع من الاتفاق السري لتأييد الحزب الوطني، مقابل مجموعة من المكاسب السياسية للشعب القبطي. وأتصور أن يكون في قائمة هذه المكاسب قضية الخط الهمايوني، حماية مسيحيي الصعيد وكنائسهم وممتلكاتهم من الاعتداء، الأوقاف الكنسية المحجوزة، قانون الأحوال الشخصية القبطي، إجراءات إشهار الإسلام، موضوع كنيسة المقطم، وما يماثلها من موضوعات. والبابا شنودة في هذه الحالة يتصرف ليس كزعيم روحي، بل كمسئول عن جماعة من الناس (نقابة مثلاً) يدافع عن حقوقها. لكن نجاح هذا الاتفاق مرتبط بشروط: أولها ألا تكون الكنيسة قد تهافتت على إعلان التأييد الكامل الشامل اللامحدود دون أن تحصل على أي شيء في المقابل (مثلما يفعل العرب مع أمريكا طول الوقت!!). والثاني أن تتصرف الكنيسة بطريقة تحافظ لها على كرامتها، وتحقق الغرض من الاتفاق بالإيحاء البسيط للمسيحيين أن إنتخاب مبارك في مصلحتهم. أما هذه الهرولة التي رأيناها، فقد أتت بردود أفعال مقابلة، ووضعت الكنيسة في موقف سيء مع كل الأطراف المحايدة، والأطراف المعارضة لإعادة الترشيح

2. أما من الناحية الأخلاقية، فأسمح لنفسي - وسامحوني - أن أقول أن تقديري أن هذا النوع من الاتفاقات المشبوهة (إن كان قد حدث بالفعل) ليس من المسيحية في شيء. وإنني أفترض في أكبر الزعامات الروحية في الكنيسة أن يغلب التزامهم الإيماني منطقهم العقلي، حتى لو أدى ذلك إلى ضياع بعض الحقوق، أو تعريض بعض الأقباط لبعض المضايقات، فليس دور الكنيسة أن تحمي أولادها بقدر ما هو دورها أن تعلمهم كيف يعيشوا كمسيحيين، ونظرة واحدة على تاريخ المسيحية، تكفي ليدرك المرء أن المسيح وتلاميذه كان من الممكن أن يعقدوا عدداً من الإتفاقات السياسية التي كان من الممكن أن تؤدي إلى قيام المسيحية من دون صليب أو على الأقل من دون هذا العدد الهائل من الشهداء... لكن من الواضح طبعاً أن الفوز في هذه الحالة كان سيكون هو خسارة الخسائر.

والنتيجة: إن كان الاتفاق قد تم، فهذه نكسة للأخلاق، وإن كان لم يحدث، فهذه سذاجة سياسية... وإن كان هناك بديلاً ثالثاً لا نعرفه، فبرجاء تقبل اعتذاري!!!

ملحوظة أخيرة: برجاء الإجابة على الاستطلاع في يسار الصفحة

في انتظار تعليقاتكم


Thursday, August 11, 2005

الكنيسة والسياسة...حديث مستمر


لأن الموضوع هام - وليس بالضرورة حقيقي -، أستمر في الكتابة...
لم أستطع تأكيد الخبر من مصادر مستقلة، لقد نشرته جريدة المصري اليوم الصادرة 9 أغسطس، ونقل عنها مصراوي، وموقع إيلاف، ثم قال محمد في التعليقات على مدونتي أنه حقيقي!!
***
ألخص لكم التعليقات حتى يمكننا أن نزيد عليها:
إنسان خردة ودرش و"من الشرق للغرب" شايفين إن المشكلة إن الشعب القبطي قد ترك هذه المساحة من الحرية للقيادة الكنسية بسبب عدم اعتراضه
أنا وميلاد ودرش نرى في التصرف نوعاً من الحماقة السياسية أو بتعبير أخف "سوء تقدير للأحداث الجارية"
مصراوي ورامي يريدون المزيد من الحقائق: هل تم إيقافه لأنه إنضم لحزب الغد تحديدا، أم لأنه انضم لحزب سياسي بشكل عام؟ هل يوجد في سياسة الكنيسة القبطية ما يمنع رجال الدين من الانضمام للأحزاب؟ وهل يوجد حاليا أي قساوسة أعضاء في الحزب الوطني الديموقراطي؟ وإذا كانت الإجابة لا، فهل إذا انضم أحدهم للحزب الحاكم سيلقى نفس المعاملة؟
رامي شايف إن من حق الكنيسة منع القسوس من الانضمام لأحزاب سياسيّة، وأنه لا يجب أن ينضمّ القساوسة لأحزاب
ويختلف معه درش قائلاً أنه لا يجوز للمجمع المقدس ان يمنع القساوسة من العمل السياسي اذا كان هو نفسه يصدر بيانات سياسية
***
إذاً فالحوار حتى الآن له أربعة محاور،
1. هل يصح أن يكون للكنيسة موقف سياسي؟؟
2. هل الموقف السياسي الحالي للكنيسة مناسب (هل هو أخلاقي، وهل هو منطقي)؟؟
3. هل يحق للكنيسة أن تفرض منهجاً سياسياً معيناً على القسس والرهبان؟؟
4. هل يحق للكنيسة أن تشجع رعيتها على اعتناق مواقفها السياسية؟؟ وما موقف الشعب من ذلك؟؟

أدعوكم أن نجيب على التساؤلات واحدة بأخرى، كل تدوينة بسؤال... وسوف أقوم بالتلخيص حتى تصير المتابعة أسهل
***
"هل يصح أن يكون للكنيسة موقف سياسي؟؟"
رأيي الشخصي - والذي أدعوكم للاتفاق أو الاختلاف معه - هو أن من حق بل من واجب الكنيسة أن يكون لها فلسفة سياسية. لكن لا يصح أن يكون لها دور سياسي. بمعنى أنني أرى أن الكنيسة كمؤسسة دينية، ينبغي أن يكون لها مواقف عامة تجاه التحديات اليومية التي يحياها الإنسان المعاصر عامة والمسيحي المعاصر خاصة. وأعني بهذه المواقف إجابات أسئلة كالتالية:
1. ما هو موقف الكنيسة من الدولة الدينية؟ والدولة العلمانية؟
2. ما هو موقف الكنيسة، بشكل عام، من فلسفة الاقتصاد الحر ومدى تأثيرها على الفقراء؟
3. ما هو موقف الكنيسة من الحروب؟ والانضمام للجيش؟
4. ما هو موقف الكنيسة من المشاركة الإيجابية في المجتمع؟ وهل تشجع أبناءها عليها؟

هذه الأسئلة وغيرها كثير، أرى أنَّ دور الكنيسة هو أن تقدم لها رؤى من منظور إيماني، ودون الدخول في التفاصيل، وعليها أن تتجنب بالأخص الدخول في التفاصيل، حتى لا تضطر لافتعال رأي لا يعبر إلا عن مرحلة زمنية محدودة، فتضحي بمصداقيتها التي تكمن في أن الرؤى الإيمانية عادةً لا تتغير جذرياً بتغير الزمن، بل تزداد نضجاً واتساعاً.

أما ما لا أراه مناسباً على الإطلاق فهو أن تأخذ الكنيسة موقفاً سياسياً من أشخاص أو كيانات أو دول، سواء بالتأييد أو الشجب. أو أن تقرر الكنيسة النزول إلى الشارع السياسي، ودخول الإنتخابات مثلاً، أو قيادة الشعب في ثورة!! فهذا النوع من المواقف اليومية هو حق للمواطن العلماني، أما الكنيسة ككيان ديني - يتمتع بنوع من الحصانة من تقلبات الزمن استناداً على طبيعته - فلا يجوز له أن يتخلى عن هذه الطبيعة وقتما يريد وحسبما يتفق.

رأيكم إيه؟؟


Wednesday, August 10, 2005

أهي كملت: وقف قس لتأييده أيمن نور

اقرأوا هذا الخبر:

انتخابات الرئاسة المصرية تشعل الكنيسة القبطية

لو كان صحيحاً، نكون قد دخلنا في مرحلة الكارثة
لا أريد أن أصدق
وأتساءل في بساطة، هل يمكن أن يكون هذا الرجل المحنك سياسياً بهذه السطحية؟؟
وما الذي يمكن أن يجلبه هذا القرار من مكاسب؟؟
ومن يقدر أن يرد عنا توابعه؟؟؟
أم هو السن؟؟ أم هو العند؟؟ أم هناك كالعادة "تفاصيل" غير معلنة؟؟
أم هي حكمة ارتفعت فوقي لا أستطيعها ؟؟؟
يارب إرحمنا، ويطلع مجرد خيال لصحفي كذاب

ملحوظة: من يملك تعليقاً أو تأكيداً أو تكذيباً، برجاء الإسراع، قبل أن أصل للجنووووون


Tuesday, August 09, 2005

لا تعليق...لاتعليق...لا تعليق


مئة وأربعون زائراً لمقالتيَّ الأخيرين...
تعليقان فقط !!!!!!!!!!!
واضح إن ماحدش فاهم حاجة...
منتهى الكوميديا، وبس.


ملحوظة عابرة: كل الدعوات والصلوات والأمنيات والضحكات والرقصات... لولي العهد



Monday, August 08, 2005

حوارات كئيبة: ويستمر سقوط الأقنعة


أضع هنا الجزء الثاني من ألوان الكآبة، وهو أكثر شخصية وأقل وضوحاً (يعني هي كانت ناقصة!!!)، فعذراً لقاريء لا أمنحه كتاباً مفتوحاً، ففي النشر هنا نوعاً من الأمانة للتاريخ، وقليل من التوبة.

حوارات كئيبة*

لم أتحاور أبداً مع خيالي
فتلك خطيئة قد لا تغفرها أميرتي
أنا لا خيال لي
بل لي نوع من الجنون أو "المسّ"
وكلما اعتنقت كأبتي
جاءني جنوني بحوار جديد
هو أقرب إلى بشارة الملاك لمريم

الحوار الأول ( مع ميم "المسّ" )

- أحتاجك
- نعم، نعم، نحن نحتاج بعضنا البعض. لنزداد اقتراباً إذن
- أنت لم تفهم، أحتاجك أن نبتعد
- نبتعد عن ماذا؟ ليس في الكون غيرنا، ونحن واحد
- هذا بالضبط ما أعنيه، إن لم يمكننا أن نبتعد، فلا معنى لاقترابنا أيضاً
- وكيف نبتعد؟ في الزمان؟ كم يلزمك من الوقت؟
- أقل من لحظة! التاريخ يحكي أنني قد أفقدك في لحظة
- في المكان إذن؟ سأبتعد معنوياً...سأفقد انتمائي
- افعل إذن...(تمر لحظة من الشوق الجارف) ........ ما الذي فعلته بنا؟
- كما اتفقنا...ابتعدت كيما نقترب
- لا أدرك ما يحدث، لقد خنتني
- كان يجب أن أفعل، لنتحرر من الحماس
- لقد تحررنا بالفعل، لكننا صرنا أبعد من مجرد المكان، كان المكان رمزاً للوجود
- أتعنين أن الرمز سقط، فسقط المعنى؟
- وازداد التاريخ شرفاً بحمل اسمينا
- لكنني في حريتي أفتقدك، وإن كنت حراً عاجزاً عن الاحتياج
- عزاؤنا أن الذكرى هي شكل من أشكال اللقاء

الحوار الثاني (مع السين الأولى من "المسّ")

- سعيدة؟
- ربما، لا يمكنني أن أجزم
- لكنني أحتاج أن أعرف
- لماذا؟
- أهذا تساؤل؟؟ ظننت أننا...
- ...؟
- ألا تقولين شيئاً؟
- إن أردت أن تفهم، فلا حاجة لي أن أقول
- فهمت، هيا إذن فلي اشتياق للحياة
- إن أردت الحياة، فلا داعي للكثير من القرارات، ارغب فقط
- كن...
- فيكون.
- لكن هذا مؤلم، أن نكون مجرد "خالق"
- ربما تتمنى أن تكون مخلوقاً
- لأنني أظن أن الحب أسهل بين المخلوقات
- بالتأكيد، نحن نخلق الحب ولا نستمتع به
- إن قبلت ضعفي، وصرت مخلوقاً، أتنضمين إلي؟؟
- لن أعاتبك أبداً، لكنني بالتأكيد لن أذهب معك
- أهو وداع إذن؟ إن لم يكن الأن، ففي الزمن الأقرب!!

الحوار الثالث (مع السين الثانية من "المسّ")

- أجنون لو صرنا معاً؟
- بل جنون أننا لم نكن قبلاً، وجنون أننا لسنا الآن
- ما الذي تراه؟
- أراكِ كيوم يرى غده
- مجرد التفكير في ذلك يمنعني من أن أكون
- لا أملك ألا أكون الفكرة، ومع ذلك تمنيت لو كنا نتاج مصادفة
- أنا أضعف من ذلك
- أعرف، لا أستطيع أن أحملك بقوتي
- لا، ذلك ممنوع، فلسنا بعد لبعضنا
- لكن الشيب قد حل بعمر كأبتي، لم أعد أحتمل هزيمة جديدة
- أجمل ما في الأحلام احتمال انهيارها
- أعرف ذلك، أتمنى أن أعود إلهاً من جديد
- ماذا تعني؟ تنسحب بهذه السرعة
- أخاف من التجربة الأخيرة، أشعر أن كل الحب الذي عرفته البشرية مرهون بنجاح تجسدي
- لست أملك أن أمنعك
- يالَيتكِ تفعلين
- ولكن...
- أعرف، لسنا بعد لبعضنا

* كل الحوارات بين هو وهي بحسب اللون، هو بقى ثابتاً مع الزمن، وهي تغيرت ثلاث مرات

Sunday, August 07, 2005

ألوان الكآبة: الحقيقة وراء الأقنعة*

من يفهم كأبتي؟
أعرف أنني أفضل من يفهم الكأبة
لأن الكأبة أبداً لم تهاجمني
بل أنا بادرت باعتناقها
أحببتها وبادلتني العشق
وجعلنا من عناقنا سراً أبدياً
فلا تحاول أن تجد كآبتك بين سطوري
فهذا اقتباس غير مسموح
إلا للعباقرة والمجانين.

(1)
زمن الكأبة
حين تولد الشمس وحين تحتضر
مع كل انتحار حزين
لكل دفقة أشعة
أرى الشمس مثلي
احتراق...وكأبة
حينما تأتي أغاني الربيع
وترحل لتلقى همسات صيف منتظر
يهاجر طير وراء الأفق
ويأتي غريب يدق بقلبي
فأعرف أن الزمان هو زمان كأبتي
يعلو فحيح الخريف
صوت صارخ في البرية
"يوم الشتاء...هو يوم الحقيقة "
ويرجع طيري، غريباً بعمر المسافات
فلا يلقى عشاً إلا العواصف
وأدرك أنا مرة جديدة
أن الكأبة تأتي دائماً في حينها

(2)

ألوان الكأبة
رسمت على السماء لوحة كاملة
أعانتني فيها الغيوم، وبعض التلوث
رسمت بقوسٍ قزحي
صوبت سهامه إلى الأرض العطشى
وضعت كل ألوان كأبتي
وانتشيت
احتفلت السماء بموت المطر
ومولد شاعر جديد
صاغ كل الكلمات...كلها
في قصيدة واحدة.

(3)
كأبة بيضاء
تعزف الموسيقى لحناً جنائزياً شهيراً
وتهمس الروح العليا في أذني بأروع الكلمات
أصلي...
وأمضي فأسأل حفار القبور
عن سر رجاءه
أراكِ أميرة جميلة متشحة بالسواد
وأعجز أن أروي الحدث الجاف
بدمعة واحدة
أراكِ رجاءً...أرفضه
أصلي...
لكيلا تموت سحابتي البيضاء
دون قطرة مطر.

(4)
كأبة سوداء
غرباء في هذا العالم
كل ما نعرفه عن بعضنا البعض
تصادم سيارتين
أكرهكم
نعيش على بعضنا
نحارب نفسنا، ونستريح
على الكتف الذي اجتثته الحروب
ننام على أجسادنا
فشهوتنا الحقيقية هي "نحن"
أكرهكم
لأنكم اغتصبتم أميرتي
تسألونني: من أنت؟
أقدم لكم-بلا ندم- كأبتي.
أنا هو كأبتي...

(5)
كأبة بنية
أتذوق بدون أي متعة
كوباً من مشروب فاتر
اسمه "الحياة اليومية"
بلا مجهود من جانبي
تأتي كأبتي
فتلقي ظلاً بنياً مقززاً
على كل الأشياء
بدءاً بابتسامة الصباح
ومحاولات فاشلة لتعلم الطيران
وحتى انتفاضة من الألم
الذي فقد -بحكم العادة-
لذة وجوده
حينما ترتطم قدمي المصابة
(إصابة حرب قديمة، قتلها "التطبيع")
وأنا أخلع أخر الليل
حذائي البني
وأمضي-في سعادة الهروب-
لنوم أبدي.

(6)
كأبة "بمبي"
أعشق احساس الدخان المتصاعد
يحمل أوهامي وهمومي
إلى سماء لا تفهم
إلا سذاجة الربيع
لا يوجد أحمق واحد
يعرف معناً لكأبتنا
لا يوجد إلا أحمق واحد
يجلس بحماقة مفتعلة
خلف الدخان الأفيوني
يعرف جداً
أن اللون "البمبى" خدعة كبرى
يفشل عشرات المرات
في أن يضعف عينيه الدخان
كأس مر
هو كأس لا تثمل منه.

(7)
كأبة حمراء
ليلة عيد الميلاد
أجراس كنيسة مهجورة
تدق بالصدق الوحيد
وشجرة فارعة في بيتنا
مليئة بالزينات
وتحتها بعض الهدايا
ومزود (صناعي)
يرقب احتفالنا من أحد أركان البيت
ليلة عيد القيامة
ترقص أميرتي كباليرينا جميله
ينطلق خلف كل احساس
احساس أجمل
تنساب المتعة على رداء حريري
لا يشبه حتماً
قماش الكفن المنسي في القبر.

(8)
كأبة خضراء لزجة
لم لا أقول "لا"
بمنتهى البساطة
وأستعين بالقليل القليل
من الأمل القرمزي
في أن أصمد ضد هجوم ال"نعم"
أحتفظ بحقي الكامل في السقوط
حتى من قمة الكمال
أحتفظ بمتعة اللامبالاة
أثناء الغرق الهادئ
في عصارتي اللزجة
أعترف -ببساطة-
أنني أضعف من أضعف قواي
وأعرف قبل أن تبدأ المعركة
أنها مسرحية هزيلة
سأهزمني في الفصل الثالث
وينزل الستار الأخضر
معلناً بداية الكأبة.

(9)
كأبة زرقاء صامتة
أميرتي ترهف السمع
لعلني أحكي أسباب كأبتي
أشعر بالصمت يحاصرنا
يخنقني
تعجز كل أغاني العالم
أن تعزف بعضاً من لحني
تعاتبني على صمتي
و ترى في القبر سكون
و أرى في القبر قيامة
هل ذنبي أن كلام العالم عجز؟
لي لغتي
أكتبها بالحبر الأزرق
في يومياتي
أقرأها...وحدي...أفهمها
أعجز أن أنقل لوني الأزرق
في أوراق لا تحتمله
الحبر يفهم كأبتي
وكأبتي تفهم ضعفه.

(10)
كأبة شفافة
يلزمني الكثير من التأمل والاختلاء
حتى أتجاوز عبقريتي إلى أحلامي
أُحَلِق...
لا يعوزني فرس أبيض
فأنا في وطن شفاف
ألمح كل الأشياء
دون أن أرى إلا اللانهاية
أحلق في شفافيتي
وبلا مقدمات
أسقط في كل الألوان
لا أبكي
فأنا تكفيني الذكرى
وأعود أدقق في تفاصيل اللوحة
ألتمس مخرجاً أخر إلى اللالون
أمسح عن يدي دماء الواقع
وتحدثني السماء
عما تسميه "أرض ما وراء القمر"
ما حاجتي إلى كأبة كونية
بينما أنت هنا...أميرتي؟

***
ملحوظة: كتبت هذه السطور في أبريل سنة 1996، ومازالت حتى اليوم من الأعز إلى قلبي والأكثر معنى، ومازلت أراهن نفسي أن هناك من سيقرأها ويفهمها، فقد وضعت فيها كل الإشارات والعلامات التي تصف أول عشرين عاماً من حياتي.


Saturday, August 06, 2005

مراجعة شهرية سريعة، تباطأت قليلاً



أعود للكتابة بعد غياب عشرة أيام، كان معظمها ما بين الاستمتاع بلحظات استيقاظ أميرتي الصغيرة، واقتناص لحظات نومها القليلة في النوم أو إنهاء ما تأخر من مهام. أشعر بالتعب والرغبة في النوم، وبأن اليوم قد صار أقصر، لكني في الوقت ذاته أشكر الرب كل يوم على هذه النعمة التي لا تصفها كلمات.
عندي مواضيع كثيرة أنشرها تباعاً في الأيام القادمة، لكني أبدأ - لأسباب شخصية بحتة - بمراجعة حياة عن الشهر الماضي.
***
بعد توقف عامين، بدأت الكتابة من جديد منذ ستة أسابيع، كانت المحاولة الأولى من خمسة أسطر، "شيء ما في قلبي يدعوني أن أكون من جديد...أن أستمع إلى الأغاني التي في الكون...والكون كله موجود هنا...في عقلي".

ثم كانت الذكريات في "خيبتي أم غباء الوعود"، وكانت التعليقات والاحتفال الهائل من الأصدقاء القدامى جداً، والجدد جداً، والذين لم أتعرف عليهم بعد... وكانت التعليقات والمكالمات بمثابة "إعلان صغير" معلق أمام عيني، يقول: "إستمر"

وأثارني موضوع صغيرعن المذيعات المحجبات، وكتبت عنه، وفي ذات الوقت بدأت بالقراءة الجادة في المدونات المصرية، بعد أن عرفني
رامي - وقد تولى دور إرشادي في رحلة العودة للتدوين - على مجمّع المدونات الخاص بمنال وعلاء. وبدأت لعبة التعليقات الجادة. وهي لعبة أشعر فيها بالفشل التام حتى اليوم وذلك للأسباب التالية:

1. يكتب الناس تعليقات رائعة وعميقة على ما أنشر، فأقرر أن أرد بنفس العمق على كل من علق، وذلك يتطلب الانتظار والتفكير...وطبعاً نتيجة الانتظار هي أنني لا أرد وأشعر بمنتهى "قلة الأدب" لأن الناس تحدثني وأنا "آخر طناش"
2. أقرأ مدونات تثير الشهية، ولا أقبل أن أكتفي بتعليق صغير، بل أعد نفسي بأن أقرأ عن الموضوع وأعود بالتعليق اللائق به، احتراماً مني لكاتبه ورغبةً مني في أن نأخذ الموضوع خطوة أبعد من مجرد "المقدمات والتعليقات". ولا داعي أن أحكي باقي ما يحدث، فأنتم تعرفون علاقتي بالوعود.
والنتيجة النهائية هي أنني أعطي نفسي ما لا يزيد عن 3 من 10 في التعامل اللائق مع كل ما كتب خلال هذا الشهر من تعليقات على مدونتي ومن مدونات أخرى تستحق كل تقدير
***
ضحكت وأنا أكتب "
الدبة وقعت في البير"، وكنت من زمن لم أضحك وأنا أتحدث عن حالة "العزلة" الاختيارية التي فرضتها على حياتي.
ثم ألفت "صندوق الاقتراع" أثناء جولة الرياضة "الإجبارية" اليومية، بما أننا كنا قد بدأنا الشهر التاسع من معجزة الولادة. صرت سعيداً، أتحدث مع أصدقائي عن "المزيد"، أقبل أن أضحي بساعات كنت قد تعودت خلال السنوات الماضية أن أكرسها للعمل، فصرت أستخدمها لأقرأ وأكتب
أقرأ وأكتب...أقرأ وأكتب...أقرأ وأكتب
كنت قد أدركت قبلها بشهرين - في تأمل إجباري فرضه علي المرض والبقاء في الفراش - أن هناك خمسة أشياء يمكنها أن تعطي معنى لحياتي: أن أقرأ (أتعلم)، أكتب، أُعَلِم (ولنكن أكثر تحديداً، أُعلِم شباب مصري مثقف ما بين السابعة عشرة والخامسة وعشرين)، أُهَندِر مصر (أعيد تصميم الأنظمة الإدارية المصرية)، وأخيراً ألمس الفن ولو من بعيد.
وشعرت بالتالي بأن العودة للتدوين هي خطوة على الطريق الصحيح.
***
أقطع مراجعتي بسبب أصوات خناق وأكتشف أن الشرطة في العمارة...
أحد الجيران عاد إلى المنزل ليجد الشغالة البالغة من العمر أربعة عشر عاماً معها صبي في مثل عمرها في الشقة
والله حقيقي الدنيا مسرح كبير.
***
أجاب عدد من المدونين على اختبار للشخصية، ولم أستطع مقاومة الإغراء الوظيفي، فقمت بعمل تحليل احصائي لنتائج المدونين. وعرفت لأول مرة طعم "الشعبية" التدوينية، فقد تخطى عدد الزيارات حاجز السبعين يومياً، ووصلت التعليقات إلى تسعة عشر.
ونشرت بعدها الدعوة لتعميم قسم أبقراط ولم يستجب أحد، ثم فتحت الحوار حول القبول بين الأديان "إيماني العميق هو أن طرق الله لا تعد ولا تحصى، وأنه قادر أن يصل لكل إنسان بإسلوبه الخاص، وأن حدودنا البشرية في الفهم والتطبيق تجعل الفوارق بين الأديان مثل الفرق في المسافة بالنسبة لطفل يحبو، في طريق يمتد لألف ميل، وآخر يمتد لألف ألف ميل... وعلى هذا، فإني مستعد - كإنسان - أن أدين بأعلى صوت كل من يتجرأ ويحاول بناء بيته على أنقاض بيت الآخر"
***
وكانت الخطوة الكبرى التالية هي القرار الجريء أن أكتب عن المرأة التي أحب، وعن الأميرة التي هي ثمرة هذا الحب. وفاجأني رد الفعل من الكثيرين الذين لا أعرفهم، والذين أصبحوا عائلة واحدة تحتفل معنا بهذا اليوم الجميل. صدمني الصدق في مشاعرهم، والإحساس بالانتماء في قلبي. ورغم أني أود أن أذكر الجميع، إلا أن مشاركات
سقراط ودرش وجولي ومريم وحلم كانوا الأكثر تأثيراً في قلبي.
ثم جاءت شرم الشيخ، وأيقظت في غضباً لا حدود له، ورغبة أكيدة أن أصنع لهذه الصغيرة عالماً أفضل.
***
كان "الموت إرهاباً" آخر عناويني الشخصية، ومن بعدها حدث الكثير خارج حدود "المدونة". فقد أتتني دعوة أن "أُعلِم"، وبالمواصفات المكتوبة أيضاً، وقضيت بناءً عليه يومان مع مجموعة من الصغار...تكلمنا عن مراجعة حياتهم، عن اختيار دورهم في الحياة، وأخيراً عن التحديات التي سيواجهوها في مسيرتهم نحو ملء الحياة...

لا أعلم في الواقع كيف استفادوا هم من الأمر، لكنني شخصياً لا أملك من الكلمات سوى "شكراً"، لذلك الذي دعيته، فأغرقتني استجابته

ومن طرائف الأحوال أن مدونتي استقبلت زائرها الألف وأنا غائب تماماً عن الكتابة، وكنت أنوي أن أحتفل بالمناسبة احتفالاً خاصاً.
***
أما كل ما لم أحكيه، فهو ما متوسطه عشر ساعات يومياً من العمل، لكن الحديث عن العمل يتطلب مدونة في حد ذاتها، وهذه طالت حتى صار تقريباً من المستحيل أن يصل أي قاريء إلى هذه السطور.
إذن، فلنكمل لاحقاً...
ولاحقاً أكتب، كلام شخصي جداً، وكلام عن أحوال مصر المحروسة، لكن بالأكثر عن روعة هذه الحياة وخالقها، عن الحب، عن العلم عن الفلسفة وعن شقاوة الأحلام والرغبات والأفكار في هذا العالم.
***
وآخر إضافة لهذا اليوم، هي ذكرى عيد ميلاد الصديق البعيد جداً، والذي لم أستطع الوصول إليه لأخبره كم أفتقده...
فإليه هذه الذكرى، ولعله يقرأها