Tuesday, July 11, 2006

لماذا مات أندرو؟


أندرو هو طفل في التاسعة، يتميز بابتسامة هي أجمل ما في الوجود، عيناه فيهما ذكاء وشقاوة لكن بلا خبث.
أندرو مصري قبطي، نشأ في عائلة تقدس معنى العائلة، وتمضي بها الأيام في سلام وقناعة.
أندرو يحب أن يخدم في الهيكل في قداس الجمعة، وكان هذا في الواقع آخر ما قام به، قبل أن يركب السيارة مع عائلته متجهين إلى العين السخنة ليقضوا الأجازة الأولى بعد أن أنهت أخته امتحاناتها.
أندرو... كان الوحيد الذي مات، عندما انقلبت السيارة عند الكيلو 88...
انتهت القصة، ومضى أسبوعان من الاهتمام بالمصابين، وبقت التساؤلات...

يقولون أن الموت هو قدرنا جميعاً، وأنا لا مانع لدي، لكنني بالتأكيد أشعر بالفارق ما بين موت الشيخوخة، الذي يبدو كما لو كان جزءاً لا يتجزأ من الحياة، وموت الطفل، الذي لا يمكن تسميته إلا "موت".

يقولون أن أندرو ليس الطفل الوحيد، وأنه على الأقل لم يتألم، وأنه قد قضى لحظاته الأخيرة بين من يحبهم، ولا يسعني بكل تأكيد أن أنكر ما تراه عيناي كل يوم في فلسطين والعراق وما أعلم أنه يحدث كل يوم في نصف بلاد افريقيا، بل وكل ما تؤكده الإحصائيات عما يتعرض له الأطفال في كل مكان بالعالم... لكن هذا لا يوقف التساؤلات بل يزيدها قسوة، فلماذا يموت الأطفال؟

يقولون أن الله يختارهم لحكمة لا نفهمها، فنحن لا نعرف ما الذي كانوا سيتعرضون له لو عاشوا، وهاهو أندرو قد قضى ساعاته الأخيرة يصلي فهل هناك من وقت أفضل؟ ويرفض عقلي بل وإيماني هذه الحكايات، فأنا لا أحب حديث الحكمة المخفية، لا لأنه خطأ، بل لأنه يُستخدم بعشرات المكاييل ليفسر كل شيء نقف أمامه غير فاهمين أو مصدقين ليصير الحجة العظمى لكي لا نبحث عن المعنى، فإذا كان كل شيء مقرراً مسبقاً لحكمة مخفية، أفلا يكفيكم أن نكون مسلوبي الإرادة، فتريدون أن نكون أيضاً جهلاء؟

ويقولون في المقابل أن لكل نتيجة يوجد أسباب منطقية، فهناك ربما من اختار أن يبيع كاوتش السيارة وهو شبه منتهي الصلاحية، وهناك ربما من لاحظ أن الكاوتش ليس بحاله جيده، ولم يهتم أن ينبه صاحبها، وهناك أخيراً قائد السيارة نفسه، الذي ربما كان يمكن أن يمسك بالمقود بعنف أكبر، أو ربما المشكلة فيمن علمه القيادة من عشرين عاماً... وهكذا يمضون في محاولة لإرجاع كل ألم في هذا العالم إلى خطيئة ارتكبها إنسان في يوم ما. وربما يكون كل ذلك صحيحاً بصورة ما، لكنه لا يكفي بأي حال من الأحوال لتفسير ما حدث، فكلنا نخطيء كل يوم في كل مكان بالعالم، لكن... ليست كل خطيئة تقتل طفلاً، فكأنني بالذي خلق العالم قد جعل تسعة أعشاره من الرحمة، والعُشر الباقي من العدل... فلماذا إذن يموت أندرو؟

ويقولون أخيراً: "لماذا تظن أن الموت هو أسوأ من الحياة، أو الحياة أفضل من الموت؟"، ثم ما هو الفارق بين من يعيش تسع سنوات ومن يعيش تسعين سنة؟ ألم يختبر كلاهما نفس الغنى الهائل بغض النظر عن الكم؟ ألا تكفي لحظة واحدة من الحياة لتحمل الحياة كلها إلى قلبك؟ وأصمت قليلاً، فأنا لا إجابات لدي، غير أنني أعلم – كما كان أندرو بالتأكيد يدرك ببراءته – أنني أعيش فقط هنا والآن، وأن ما تبقى من حياتي، لو كان لحظة أو مئة عام، لن يأتيني بمعنى جديد لا أستطيع أن أعيشه هنا والآن... لكنني أعلم أيضاً أنني لا أعيش لا بما يكفي ولا بما يصح، وأعلم أن اللحظة القادمة تأتيني على الأقل بفرصة جديدة، فلماذا لا يحظى الجميع بنفس الفرصة؟

هل هذه التساؤلات منطقية؟ هل هي من حقي؟ إنها على الأرجح لا تتعدى كونها نوع من البكاء المُفرغ من المشاعر، فقد كان علىَّ ألا أبكي ولم أفعل، أفلا أكتب إذن، حتى لو امتلأت الكلمات بأشباح الهستيريا؟