Monday, December 05, 2005

أسراري التي لا يُنطَق بها


حينما كنا صغارا ...اعتبرنا
خط الأفق ملعبنا
وكل الطرق معبرنا
كم حلمنا وتعاهدنا وطرنا
ومن بالغد يخبرنا؟
قتلنا الغد بالقبل...وبالأحلام والأمل
وصبرنا...فلم ندري كم كبرنا
وصبرنا...فتغيرنا وثرنا
على كل مآثرنا

(من قصيدة ألف ليلة وليلة – عشرون عاماً من الحب – لصاحب المدونة)
كل الحقوق محفوظة

اضغط على الصورة للذهاب إلى المصدر - إدوارد مونش 1907

Thursday, November 24, 2005

إشكاليات على طريق المصالحة الدينية

إذن، مرت تقريباً مرحلتان من ثلاثة في انتخابات البرلمان المصري. والنتائج أقل ما توصف به أنها غير مبشرة بالخير، من حيث حصول الحزب الحاكم على الأغلبية المطلقة، وانهيار المعارضة السياسية، وصعود البديل الأخطر متمثلاً في الإخوان المسلمين. لكن... وقبل أن يأخذنا الحوار عن تداعيات الانتخابات – وهو حوار أحب أن أؤجله إلى ما بعد نهاية المرحلة الثالثة – أحب أن نكمل حديثاً قد بدأناه (هنا وهنا) عقب أحداث محرم بك، عن المصالحة الدينية في مصر.

عندما نتصدى لحل مشكلة مثل "المصالحة الدينية" في مصر، نصطدم فوراً بمجموعة من الإشكاليات التي جعلت هذه القضية أكثر تعقيداً في مصر عنها في دول أخرى، وفي هذا الزمن عن أزمنة سابقة.

وأظن – اختصاراً – أنه ينبغي البدء بثلاثة إشكاليات حادة على درجة عالية من الخطورة: المرجعية الدينية، موروث القهر، والتخلف السياسي

المرجعية الدينية
خلال الثلاثين عاماً الأخيرة، ولأسباب سياسية (انهيار القومية العربية، انهيار الحلم الاشتراكي...)، واجتماعية/اقتصادية (الانفتاح الاقتصادي، أموال الخليج العربي...) وأخرى، تحولت المرجعية الأساسية عند جموع الشعب المصري إلى مرجعية دينية (باستبعاد المرجعية المادية الأقوى تأثيراً بالطبع، والتي لا فِكر لها ولا هدف أبعد من مجرد اشباع الذات). فصار انتماء المواطن الوحيد - بعد الرزق - هو دينه وأحكام دينه. وصار من الطبيعي اليوم أن نعمم هذا الوصف على جموع المصريين، بغض النظر عن الديانة والطبقة الاجتماعية، فما بدأ عند الطبقة الوسطى-المنخفضة المسلمة، ما لبث أن امتد وأثار ردود فعل حتى وصل إلى الطبقة المرتفعة المسيحية، وكل ما بينهما من طبقات عن أصحاب المِلَتين.

وامتد هذا التيار حتى اقتحم كل مكان كان في الماضي مُحرماً عليه دخوله – لأسباب ترتبط بطبيعة هذه الأماكن -، فصارت المرجعية الدينية هي بشكل أو آخر النمط السائد عند قادة الجيش والساسة والصحفيين والفنانين والرياضيين وغيرهم.

وحتى لا ندخل في جدل لا خروج منه، تعالوا نتجاوز السؤال التقليدي عما إذا كانت هذه الموجة المزعومة من "التدين" هي شيء إيجابي أو سلبي، ودعونا نتفق على حقيقة أكثر بساطة بكثير، وهي أن تسلط المرجعية الدينية إلى هذا الحد يُمثل صعوبة واضحة في طريق "التعايش الديني". فنحن إذاً في موقف أصعب كثيراً من بلاد تعيش أغلب شعوبها على مرجعيات فكرية وفلسفية مختلفة، وذلك لأسباب ثلاثة: الأول هو سهولة طرح الحوار الديني في هذه المجتمعات، طالما يتعامل الناس أصلاً مع الدين باعتباره جزء من مرجعيتهم وليس كلها. السبب الثاني الذي يجعل حالتهم أسهل هو أن التعدد يخلق نوع من الحيرة التي تزيد اجبارياً مساحة القبول، وهي مساحة تقل جداً إن كان الأغلبية الساحقة من الشعب ينتمون إلى طائفتين فقط هم المسلمين السنة والأقباط الأرثوذكس.

أما السبب الثالث فهو مرتبط بطبيعة المرجعية الدينية نفسها، والتي تختلف جذرياً عن المرجعية الفكرية أو الفلسفية. فالدين بطبيعته لا يحتمل الكثير من التسامح مع وجود الآخر، وهذه حقيقة لا يسعنا إنكارها مهما كررنا من آيات وتفسيرات القبول والتعايش السلمي، فهذه كلها تقع على هامش الاعتقاد، بعكس كل مفردات التفرد و"الصواب المطلق" والنرجسية المقدسة، والتي تسكن قلب كل دين منذ نشأته الأولى.

وهذه المفردات لا يمكننا رفضها أو مقاومتها، إنها ملتصقة بطبيعة الدين مثلما ترتبط بالأم مشاعر تفضيل أبناءها على كل أطفال العالم، ونحن مع ذلك لا نتهم الأمهات بالأنانية أو عدم العدل. فلا يوجد – بحسب معلوماتي – دين واحد لا يقوم على فكرة أن "الإله" يطلب من عباده إتباع هذا الدين دون غيره.

النتيجة إذن باختصار، أننا أصبحنا نعيش في مجتمع من قطبين يميل كلاهما نحو المزيد من الالتصاق بدينه، وتغليب هذا الالتصاق على كل أشكال التفاعل الأخرى مع الحياة، مما يُعقد نسبياً من محاولة خلق حياة مشتركة بين الطرفين. وعندما نقول حياة مشتركة نعني بها حياة حقيقية مليئة بالحب والأحلام وتبادل الخبرات والتعاضد... الارتواء من الآخر، ومشاركته في جزء من أرواحنا وغنى حياتنا... عندما نقول حياة مشتركة... فإننا نعني في الواقع "حياة واحدة".

هل نقترح عليكم أن تقللوا من تدينكم لتتمكنوا من اختبار هذه الحياة الواحدة؟؟ ليس لنا قِبل باقتراح كهذا على أية حال. لكنني أتصور أن المشكلة ليست في التدين في حد ذاته، بل في كونه يمثل القيمة الوحيدة "المحترمة" في حياة معظم المصريين، بجانب السعي المحموم للقمة العيش، والاستهلاك التافه لتسالي العصر الحديث. فإذا ظل الدين هو المجال الوحيد الذي نحترم فيه إنسانيتنا، فستظل "حياتنا الواحدة" هي مجرد خطاب إعلامي لا حقيقة فيه.

هذه إشكالية واحدة... وتبقَّى إثنتان: موروث القهر، والتخلف السياسي... ولهذا الحديث بقية.

Saturday, October 29, 2005

شهادتي عما يسمونه مسرحية محرم بك

أخيراً شاهدت المسرحية المزعومة
وبرغم كل قناعتي السابقة بأن المسرحية ليست هي الموضوع مطلقاً
وبرغم أن قناعتي تلك لم تتحرك قيد أنملة بعد مشاهدتها
إلا أنني رأيت من واجبي أن أشاهدها
وأن أعلق عليها مرة واحدة، وهو اهتمام لا تستحقه...

الكلمة الأولى عندي هي "أنا أعتذر"

أعتذر كواحد من أقباط مصر، لم يوكلني منهم أو عنهم أحد.
أعتذر عن التحيز المستفز، والتجني السافر في البحث عن العورات.
أعتذر عن المغالطة، وتعميم ما هو استثناء، وتكبير ما هو هامشي، وتجاهل كل ما هو حسن وصالح مهما عَظُم لمصلحة ما هو سلبي مهما قَزَم.
أعتذر عن التسطيح واختزال العالم في أبيض وأسود.
أعتذر عن اغتصاب حق النقد بأيدي من لا يملك – بحكم الانتماء - ولا يستحق – بحكم الموضوعية – فصار العمل كله غريباً في أرضٍ غريبة.
أعتذر عن الغباء في خلط الجد بالهزل، والتخلي عما تمسك به بني البشر منذ فجر التاريخ – مهما اشتدت العداوات – ألا وهو احترام مقدسات الآخرين وعدم المساس بها في بالفعل أو القول أو حتى التلميح غير المباشر.

وأعتذر أيضاً كمصري وكمسرحي ولو حتى كمجرد مشاهد
أعتذر عن تجاوز حق الجيرة التاريخية والمصير المشترك.
أعتذر عن التهاون في مقدرات وطن.
أعتذر عن الفكرة الساذجة، والدراما المفتعلة، والشخصيات الكرتونية، واللغة الركيكة، والخلفيات الصوتية المبالغ فيها، والسينوجرافيا القبيحة.
أعتذر لأن من صنعوا هذا "الشيء" نسبوه إلى المسرح، وكان الأسهل لهم ولنا أن يكتفوا ب"اسكتش" لا تزيد مدته عن خمس دقائق...

باختصار شديد ... أعتذر عن هذا العمل

أما الكلمة الثانية عندي فهي مجموعة من الملحوظات التي قد لا تغير مما سبق شيئاً، ولكنها قد تساهم في وضع "الخطأ" في حجمه الطبيعي:
- العمل يدور كله في فلك جماعة إسلامية متطرفة، فنحن لا نرى أي نموذج آخر للمسلمين. وهذا – بقدر ما يمثل سطحية النص – إلا أنه يترك مساحة للتسامح مع ما يُقدم باعتباره يصف من يفسرون الدين على هواهم، فلا يصير دينهم هو دين أمة الإسلام إلا فيما ندر.

- الكثير مما يُقدم مأخوذ عن أعمال تلفزيونية وسينمائية تهاجم التطرف. ورغم أن ذلك لا يبرر عرضه داخل الكنيسة إلا أن الكثير من محتواه ليس جديداً على أي حال.

- الجماعة نفسها مُقسمة إلى مجموعتين، الأمير ومعاونه، وكل باقي الأفراد. والغريب – بل وأقول أنه إيجابي إلى حد ما – هو أن كل الأفراد يجادلون أميرهم، ويسخرون من أحكامه المتطرفة، ويتبجحون على تصرفاته، ويرفضونها. ويذكر أفراد الجماعة الكثير من آيات القرآن السمحة وأحكامه العادلة ما يرد على كل ما يقول، ولا يغلبهم هو إلا باعتباره الأمير الذي تجب طاعته. وحين يهاجم مساعد الأمير بطل المسرحية المسيحي، لا يجد من يدافع عنه غير صديقه المسلم.

- نموذج الفتى المسيحي الوحيد في المسرحية هو سطحي وساذج، فهو يقرر الأفضلية بين الدينين من منظور مغرق في الأنانية، فهنا الوعود بالمال والزواج والعمل – وهو ما لا يعبر عن الإسلام بأي حال – وهناك رضاء الأب والأم والأخت – وهو ما لا علاقة له بالمسيحية -. وبرغم أن هذا لا يدل إلا على الغباء الدرامي، فهو يُخفف كثيراً من وقع أي شيء يتوصل له هذا الحَكَم العبقري. فلا يُجِّل الإسلام شيئاً انضمام هذا الحقير إليه دون اقتناع، ولا يهينه في شيء الرجوع إلى أهله في مشهد تراجيدي مثير.

- في أثناء تقديم الممثلين بعد المسرحية، يشكر الأب الكاهن كل من ساهموا في العمل، ومن ضمنهم كورال الكنيسة من الأطفال، ويقول لهم: "هناك مكافأة صغيرة في انتظاركم"، فيضحك الأطفال منه قائلين: "تمر"، وهم يشيرون بذلك إلى مكافأة الأمير لجماعته على أعمالهم الحسنة. ويرد عليهم الكاهن قائلاً: "الأمير يوزع التمر، وأنا أوزع البلح". هاهاهاهاهاها. إنه من المثير للسخرية والتشفي أن المصائب تنقلب على أصحابها، فالعمل الذي أرادوا به خلق صورة كاريكاتورية عن أمير الجماعة، انقلب في عقول الأطفال إلى صورة كاريكاتورية عن كاهنهم نفسه... إنها حكمة القدر

إذن، في رأيي الشخصي، إن العمل – برغم كل مساوئه – لا يرقى إلى مرتبة "الإهانة الجادة" للدين الإسلامي. إنه أصغر وأقل من ذلك بكثير. وظني أنه قد يؤثر بقوة على مشاعر البسطاء – الذين هم أغلبية شعبنا العزيز – لكنه غير قادر أن ينال بأي حال من مشاعر مشاهدين أكثر عمقاً مهما بلغت درجة تدينهم.

ولأعقد لكم مقارنة بسيطة، فمقدار "الإهانة" في هذا العمل الساذج لا تُقارن – في رأيي الشخصي – بالحوارات الحقيرة على ال Pal Talk في الحجرات التي تهاجم الإسلام وتلك التي تهاجم المسيحية، ولا تُقارن بكتب المناظرات الشهيرة التي ينتصر فيها شيخٌ على قس وقسٌ على شيخ، ولا تُقارن ببعض البرامج الدينية على الفضائيات، والشرائط التي يُدمنها سائقو التاكسي وما إلى ذلك من تجليات الإهانات الدينية الجادة.

إن من استطاعوا أن يُحَولوا هذه المسرحية إلى فتنة طائفية قد أشعلوا النار بمستصغر الشرر، رغم أن الساحة لا تخلوا من براكين حقيقية يُصر الجميع على تجاهلها.

هذه شهادتي عن المسرحية الشهيرة، ورغم أن الحديث عن المصالحة والمصارحة لم ولن ينقطع، إلا أنني أعتبر أن وضع هذا العمل في قلب هذا الحديث المهم هو شرف لا يستحقه، وتشتيت لسنا بحاجة إليه...

اللهم بلغت... اللهم فاشهد

Thursday, October 27, 2005

مبادرات المدونون من أجل المصالحة والمصارحة

Call for Peace & Openness



دعوة للصوم، معاً أمام الله...لنصُم جميعاً - مسلمين و مسيحيين - يوم الأثنين القادم 31/10/2005 من الفجر وحتى غروب الشمس، وليكن صومنا المشترك تقدمةً أمام الله من أجل وطننا عملاً روحياً يجمعنا نقابل به أعمال الكراهية و التفرقة ولنكسر صومنا معاً، يبحث المسلم عن مسيحي يفطر معه و يفعل المسيحي كذلك.


هيا نقف معاً أمام الله من أجل الوطن!!!


(الدعوة يتباناها عدد من المدونين المصريين. اضغط على الصورة أيضاً لتقرأ أو تعلق أو توقع على بيان المدونين المصريين)

Wednesday, October 26, 2005

ما زرعناه في العقول ...نحصده في محرم بك

أعود أخيراً بعد أسابيع من الغيبة المبررة، بعضها مقصود، وبعضها اضطراري لأسباب السفر والمرض...

والحق أني كنت أنوي أن أبدأ بحديث شخصي، يزيح عن نفسي بقايا الأيام التي قضيتها متأملاً في حال حياتي خلال هذه الأسابيع، لكنني أعود وهناك ألم جديد في قلب الوطن...

يتساءل البسطاء في بلدي: هل قَصَدت الكنيسة المصرية إهانة الإسلام في تلك المسرحية المزعومة؟ وكيف نُعاقب إذاً كل المسيحيين في مصر على هذه الفِعلة الشنعاء؟؟

وأرى أنه في قلب تساؤلات البسطاء دُفِنَت عشرات الحقائق الكارثية عن مجتمعنا الذي حولناه بأيدينا لقنبلة موقوتة. وإليكم بعض هذه الحقائق:

- التكوين العادي للرجل العادي في مصر يُكرس التفرقة وعدم فهم الآخر إلا على مستوى سطحي أحمق. هذه حقيقة. ماذا تتوقعون إذاً من مجموعة من الشباب يقومون بعمل فني ساذج عن الإرهاب أو غيره... أي قدر من نضج التناول وعمق التحليل نتوقع من شباب تعمدنا أن نُسَطِح رؤاهم وأن نكبت تساؤلاتهم وأن نحرمهم من أي فرصة لتكون "إبداعاتهم" على مستوى المسئولية؟؟ هل تظنون أن هذه المسرحية – إن وُجدت فعلاً – هي قمة التجليات؟؟ أُقسم أننا لو حاولنا استقصاء رأي كل الشباب المصري – بمسلميه ومسيحييه – عن رأيهم في الدين الآخر، لوجدنا ما لا يقل عن 80% من الإجابات كافياً لقيام ألف مظاهرة على شاكلة مظاهرات محرم بك. ولو كان الإخوة الأفاضل الذين قاموا بنسخ الCD – مع احتمال تحريفه – وتوزيعه، لو كانوا على قدر أعلى من الكفاءة والفاعلية لغرقت أجهزتنا بمثيلات هذه المسرحية ما لا يمكننا تتبعه. هذا ما زرعنا، وهذا ما سنحصد. وكل من ظن أنه بهذا التكوين المتخلف يصنع حسناً، عليه أن يعيد النظر.

- نحن مجتمع لا يفهم معنى "الجدل"، فلا نختلف أبداً دون أن نتشابك ونتراشق ونكره. كلنا نغضب حين نختلف، وما يفرقنا عن بعضنا البعض هو قدرة كل شخص على احتمال الغضب. فمنا من تقف حدوده عند "الأهلي والزمالك" ومنا من يتحمل الغضب حتى نخوض في "الدين"، وهو عندنا قُدس الأقداس الذي لا يُسمح فيه بجدل. واسمحوا لي أن أكون أكثر وضوحاً: إذا كنت لا أقبل على أي جماعة من المسيحيين أن يختاروا انتقاد الممارسات أو الأفكار الإسلامية موضوعاً لمسرحيتهم، فأنا في الوقت ذاته أحب أن أحفظ لهم حقهم في أن يقيموا مسرحية لانتقاد الممارسات التي حولهم في الكنيسة، وأن أحفظ لإخوانهم في الجامع المقابل حق انتقاد ما لا يعجبهم في ممارسات دينهم، وأن أحفظ لكلاهما سوياً حق انتقاد كل ما يحدث في هذا الوطن. ولكن ما يحدث بالفعل هو أن كل هذه الحقوق معدومة وممنوعة، ما عدا هذا الحق الأخرق في انتقاد الآخر. ومرة أخرى، هذه هي السبل التي فتحناها، وهذه هي التي يسير فيها الجميع.

- نحن مجتمع أغلبه من القطعان، ولا ينقصه الذئاب. إن كل أحداث محرم بك تُشير بشكل أو آخر إلى مجهود مُتعمد من قِبل جماعة ما من خارج الإسكندرية، لأسباب قد تبدو انتخابية. وبغض النظر عن التفاصيل، فما يُروعني حقاً في هذا المشهد، هو السهولة التي تم لهم بها مقصدهم. لم يكن المتظاهرون – بحسب شهادة الشهود – من الغوغاء مدفوعي الأجر كما يحدث في بعض الأحيان، بل كان منهم كثير من المخلصين لما ظنوه قضية. كانوا يتدافعون نحو الأمن صارخين "الله أكبر" وكأنهم يقدمون أنفسهم في "الحرب المقدسة" ضد الصليبيين. ومُعظم هؤلاء – إن لم يكن كلهم – اعتمدوا في "غضبهم المقدس" على حكاية لم يتأكدوا من صدقها، ومسرحية لم يروها رؤى العين. لم يتساءل أيٌ منهم عن المصدر والتوقيت، واكتفوا بالتصرف بحسب ما فرضه عليهم حماس الموقف اللحظي. أنا لا ألوم هؤلاء، وكلي رجاء ألا تسقط تبعات هذه الأحداث على رؤوسهم، فهم في النهاية مجرد مسلمين بسطاء يدافعون عن كرامة دينهم. لكن ما الذي نتوقعه من مجتمع بنيناه من "التابعين"، فتفرقت قطعانه وراء الرعاة، والذئاب المرتدين ثياب الرعاة. نحن ربيناهم، ونحن الآن نفقدهم.

إن الاعتراف المبدئي بمشكلتنا الثقافية هو أبسط ما يتطلبه السير على طريق الحل. وهذا الاعتراف لن يحدث، لأن مصر كلها ليس فيها زعيم سياسي أو ديني يستطيع أن يعترف بأن أغلبية شبابنا سطحيون، ومُغيبون ثقافياً، وضعاف الشخصية، ويحترفون رفض الآخر. وأن مشكلتنا الثقافية هي ببساطة نتيجة تكوين خاطئ على مدى عقود من الزمان.

هل هناك مخرج من هذه الغُمة؟؟
إن تغيير واقع الوعي المصري هو عمل لا قِبَل لجماعة واحدة بالنهوض به، إنه أقرب إلى مبادرة "محو الأمية"، وإن كان أصعب وأكثر تعقيداً، حيث أنه يُخاطب منطقة أكثر إظلاماً في العقل المصري، ويتقاطع مع أيديولوجيات ومصالح يرعاها المثقفون والزعماء، وهم الرعاة المطلوب منهم قيادة الطريق نحو الحل. غير أن المدخل – في اعتقادي الشخصي – ينبغي أن يعتمد بشكل ما على الحركة "العنقودية"، حيث تقوم كل بؤرة من المثقفين بمحاولة تغيير واقعها الأقرب، وتطلب من هؤلاء نشر الرسالة للمستوى الأبعد وهكذا. لكن من أين يبدأ الطريق؟؟ وكيف نتخطى حالة "الإنكار" Denial التي نعيش فيها، فنواجه أنفسنا، ونبدأ في التحرك، من أجل مستقبلنا لا حاضرنا الأقرب؟؟؟



Monday, October 03, 2005

الموت في سبيل الله


الموت في سبيل الله هدف جليل... لو وضح السبيل
لكن تعالوا نتعلم الحياة
الحياة في سبيل الله
هذه الكلمات الرائعة من مقدمة برنامج "حجر الزاوية" الذي أتمنى أن أتابعه في رمضان
وأعجبتني أيضاً مقدمة برنامج الرسول الإنسان
(وبين قوسين، رأيي الشخصي أن الدعاة العرب يصيرون يوماً بعد يوم أكثر نُضجاً من الدعاة المصريين، وأكرر أنه رأيي الشخصي)
وكل عام وأنتم جميعاً بخير

كريستيان فان نسبن... أبي الروحي

قليلون هم الأشخاص الذين تقابلهم مصادفة، في لقاء لا يفترض أن يدوم لأكثر من عشرين دقيقة، فيدوم لأكثر من إثني عشر عاماً، ويغير لقاءهم من حياتك وحياة كل من حولك طوال هذه السنوات وبعدها كثير…

قليلة هي اللحظات التي يذكرها الشخص بمنتهى الاعتزاز والفخر، ولا يكون هو فيها صاحب دور البطولة، بل مجرد مُشاهد، منحته الظروف فرصة أن يكون موجوداً، في عصر يعيش فيه رجل عظيم…

مازلت أذكر لقائي الأول بالأب/كريستيان فان نسبن توت سيفينار Christian Van Nispen tot Sevenaer، وكنت وقتها في أولى سنوات الجامعة، وكنت أبحث عن نموذج لإنسان يعيش حياته بصدق، لأقوم بعمل حوار معه لصالح مجلة أحد الأنشطة. واقترح عليَّ أحدهم أن يكون الحديث مع الأب/ كريستيان، مُعلقاً: "
هذا الرجل علامة رجاء". وقد كان أن طلبت الحديث، واتفقنا أن نلتقي في مدرسة الجزويت برمسيس.

كنت في الانتظار، حينما ظهر الرجل، هو في حوالي الستين من عمره، رمادي الشعر، ضحوك، ويركب "البسكلتة"!!! نعم، أتى الرجل من حيث يقيم في شبرا إلى رمسيس راكباً دراجة. وعلمت فيما بعد أنه – من حيث كونه هولندي الأصل – يستخدم الدراجة للذهاب إلى أي مكان في القاهرة، وهو يعلق على ذلك ضاحكاً: "العجلة من الشيطان، علشان كده بنركبها وندوس عليها".

الأب/ كريستيان هو راهب يسوعي هولندي، أتى إلى مصر سنة 1960 تقريباً، وعاش فيها أكثر من نصف عمره. عندما تقدم للرهبنة، اختار آية صغيرة غير ملحوظة من الإنجيل لتكون هي شعار رسالته في الحياة: "أعطانا خدمة المصالحة"... وعلى ذلك، فقد جعل حياته خبرة مُعاشة للمصالحة، ما بين الناس، والطوائف، والأديان. حصل على الدكتوراة في الفلسفة الإسلامية، وصار مع السنين أحد الوجوه المسيحية النادرة المقبولة من جميع الأطراف في مجال الحوار بين الأديان، كما لعب نفس الدور تقريباً في الحوار بين الطوائف المسيحية. أسس مع أصدقاؤه من المسلمين – وكان منهم وزير الأوقاف وشيخ الأزهر الأسبقين – جماعة الإخاء الديني، ثم جمعية عدالة وسلام، وذلك في محاولة لخلق مساحة من المحبة والمشاركة بين الباحثين عن الله المحبة – كلٌ في دينه وعلى طريقته – .

عندما يتحدث الأب/كريستيان إلى تلاميذه – وهو قد درَّس الفلسفة (مادة البحث عن الله) والإسلاميات على مدى عشرات السنين، وفي العديد من المؤسسات – يقول لهم: "
ينبغي أن يكون لنا لغة واحدة نتحدث بها، فأنا أحاول قدر الإمكان أن يكون حديثي عن المسيحية والإسلام واحد سواء كنت أتحدث إلى مسيحيين أو مسلمين، وهذه المحاولة تجعلني أفهم الآخر بأسلوب أفضل".

نشر الأب/ كريستيان بعض الكتب، والعديد من المقالات، وحاضر عشرات وربما مئات المرات في موضوع قبول الآخر. وآخر كتبه سماه "مسيحيون ومسلمون... معاً أمام الله"، ويطرح فيه فكرة الصلاة باعتبارها مساحة للمشاركة والتقارب بين أبناء الدينَين. وهو يعلم جيداً أن هناك الآلاف من الذين يفضلون البحث عن مساحات الاختلاف، ويتمسك في وسط كل ذلك بمعنى "
الرجاء". وقد قال لي في أحد المرات: "عندما أموت، أتمنى أن تكون الكلمة الوداعية في ذلك اليوم عن الرجاء.

كل ما سبق هو بعض الحديث الرسمي عن هذا الأب الحبيب، أما على المستوى الشخصي، فلا أظن أن ما أشعر به تجاهه يمكن التعبير عنه. فمنذ ذلك اليوم الذي التقيته فيه، وكنت وقتها أمشي على الأرض بخيلاء من لا ند له، وأعيش وهم العمق والتفلسف، وكنت وصحبي نطلق على جماعتنا وصف "الفريق الأعظم"، ونرى في أنفسنا مثالاً للأرستقراطية الفكرية... ثم قابلته، وأدركت كم نحن صغار. وطلبت منه أن يعطينا بعضاً من وقته واهتمامه، فأعطانا حباً مازال يجمعنا على ابتسامة، وسلاماً مازال يظللنا، وما لا يُحصى من اللحظات العميقة الجميلة، التي ملأها بما له من عمق، وبالرجاء المُعدي، وزينها بخفة ظل قَل أن تتأتى لرجل كرس حياته لمعركة تظنها الأغلبية خاسرة لا محالة.

Christian


لا يمكنني أن أدَّعي أنني اقتربت حتى من وصف الفخر الذي أشعر به، عندما أقول أن كريستيان فان نسبن هو أبي الروحي. لكنني لم أستطع إلا أن أهدي إليه هذه الكلمات المتواضعة، وقد احتفل منذ أيام بخمسين عاماً على دخوله الرهبنة، وكان احتفالنا به تجمعاً من الصغار والكبار، الراهبات والمحجبات، الفقراء والمفكرين، خليطاً من المُختلفين الذين لا يجمعهم سوى يومٌ مثل هذا، ورجلٌ مثل هذا.

كل عام وأنت على طريق الرجاء يا أبي الروحي.

Sunday, October 02, 2005

مصطلحات عربية

أرسل لي أحد الأصدقاء هذه الترجمة للمصطلحات... حقاً، شر البلية ما يضحك:

التنوير

عملية تتم في الشوارع عندما يسكنها وزير

العولمة

عملية تحول اجتماعي وثقافي وفني تمارسها فيفي عبده

الشفافية

سمة ضرورية للملابس المستخدمة في العولمة

الجات

مصيبة وجات على دماغنا

النظام الملكي

عند وفاة الملك ينتقل الحكم لابنه ليصبح هو الملك الجديد

النظام الجمهوري

عند وفاة الرئيس ينتقل الحكم لابنه ليصبح هو الرئيس الجديد

المبايعة

ورقة بتكتبها لما تبيع عربية قديمة

الدستور

كلمة تقال للحماية من الآسياد لما الواحد يدخل بيت مسكون

الديموقراطية

نوع من الفنون الزخرفية يستخدم لتزويق صورة الحكومة

القانون

آلة تصدر أصوات جميلة لما تلعب فيها بصوابعك

الحرية للجميع

للشعب أن يقول ما يشاء ، وللحكومة أن تفعل ما تشاء

حرية النشر

تمارسها النساء على السطوح في المناطق الشعبية

رأي المرأة

ستات مصر قالوا كلمتهم ؛ النخلتين سمنتهم

الدبلوماسية

أحسن هدية تصالح بيها مراتك بس بشرط الماس يكون حر

الصراع الطبقي

خناقة كل بيت على مين اللي حيغسل الأطباق النهاردة

الحرب الأهلية

حرب البنت مع أهلها عشان تتجوز الواد اللي هي عايزاه

حرب الشوارع

قيادة سيارة في شوارع القاهرة

حرب التحرير

معركة شهيرة يخوضها كل من يريد استخراج جواز سفر من مجمع التحرير

العمل الثورى

مذكر العمل البقرى

الوحدة العربية

أن تعاني كل دولة عربية الشعور بالوحدة

Saturday, October 01, 2005

هل ... هلاله

هل هذه الغيبة الطويلة لها أي مبرر؟؟
هل هو الوقت؟
هل هي كآبة أيلول؟
هل هي محاولة "هندرة" شركة و"هندرة" وطن
هل هو الاهتمام بالمعجزة الصغيرة النائمة بجانبي؟
هل أعيد تقييم دوري؟؟ وأفكر من جديد في معنى أن يكون ليَّ صوت
هل أخذتني الحالة الفنية، مثل كل عام، بعيداً عن كل الأولويات الأخرى؟
هل هي – ببساطة – احتياجاتي اليومية، وعلاجاتي اليومية، ومجاملاتي اليومية
هل هناك إجابة تشبع هذا الجوع؟؟؟
هل ينتظرها أحد؟؟؟
هل تصنع فرقاً؟؟؟
هل تُريح؟؟
هل...

Saturday, September 17, 2005

البحث عن مدينة أسكنها


أتحرر من الزمان...
فأرى كل الأماكن عبر التاريخ تَتَّحِد في خريطة واحدة...

ألمح بلا صعوبة كل المدن التي أعشقها...
كل المدن التي سكنتها وسكنتني

أرى طيبة الجميلة، تستقيظ على ضفاف النيل الشاب
هنا وُلدت على الضفة الشرقية،
وهناك رقد جسدي وسط أجدادي الراقدين في الغرب
وبين الضفتين سرت فخوراً بهذه الحضارة التي كانت فجراً للضمير

أتمنى لو أسكن في أخيتاتون، بين صانعي الخزف والزجاج، بشكل قرص الشمس
وأن أصلي في المعابد التي سمعت لأول مرة كلمة "الإله الواحد"
قبل أن تصير أطلالاً تتحدث عن غباء الزمن

أجلس في وسط الأكروبوليس،
أنظر من فوق الجبل إلى المدينة العظيمة أثينا...
ثم أهبط إلى ساحة الفلاسفة... لأتحاور هناك مع الأصدقاء القدامى

أصلي في الناصرة والجليل،
وأقبل التراب الذي سار عليه ابن الإنسان
في الطريق إلى الجلجثة

ثم أبحر عائداً إلى الأسكندرية،
حيث أقضي يومي ما بين المكتبة والمدرسة
وأرى غروب الشمس كل يوم من فوق الصخور

وأسير في الصحراء، لأصل إلى المدينة الفرحة
بأغاني "طلع البدر علينا"، وصوت "بلال" يملأ الأفق
وهناك أفرح مع الفرحين لمقدم نبي جديد

وأمر في الأسواق الحافلة بالعطور، في غرناطة الأندلس...
وأسمع الناس تتحدث باللسان العربي
وأضحك في سعادة لا توصف،
وأنا جالس في حضرة ابن الحداد وابن رشد

وأعبر الجبال والغابات،
وأدخل عاصمة النور... باريس
حيث يُتزوج الجمال بالفن، ليولد الحب طفلاً كل يوم
وأفرد ذراعي وأرقص كأن الشوارع كلها ملكي...
وأعرف هناك فتاة جميلة، إسمها الحرية

وأنجرح...ويُسفك دمي
وتروي دموعي كل الأراضي القاحلة
ولا أستطيع أن أدخل القدس...
لأنهم أحاطوها بالأسلاك الشائكة... والنظرات الشائكة
والأحلام الشائكة

وأهرب إلى المدينة التي لم توجد بعد
مدينة أورفليس...
حيث يسكن السلام في خطبة الوداع الشهيرة

وأطير عائداً إلى القاهرة...
مدينتي الغجرية، الضاحكة، الخانقة...
أم كل المدن، فمنها أنطلق، وإليها أعود
وأحدثها عن رحلتي...
المدن التي أعشقها، وتلك التي أكرهها
برلين هتلر ... لندن بلير ... ونيويورك بوش
وأشكو لها عجز كل المدن أن تكفيني
فتقرأ علي من ذاكرتها، أبيات غنَّاها جبران على مسامعنا:

يا بلاداً حُجبت منذ الأزل
كيف نرجوك ومن أين السبيل؟
أي قفرٍ دونها، أي جبلٍ سورها العالي...
ومن منا الدليل؟
أسرابٌ أنتِ أم أنتِ الأمل في نفوسٍ تتمنى المستحيل؟
أمنامٌ يتهادى في القلوب ... فإذا ما استيقظت ولى المنام؟
أم غيوم طفن في شمس الغروب قبل أن يغرقن في بحر الظلام؟

***
يا بلاد الفكر يا مهد الأولى ... عبدوا الحق وصلوا للجمال
ما طلبناك بركبِ أو على متن سفينة، أو بخيلِ ورحال
لستِ في الشرق ولا الغرب، ولا في جنوب الأرض، أو نحو الشمال
لستِ في الجو ولا تحت البحار ... لستِ في السهل ولا الوعر الحرج
أنتِ في الأرواح أنوار ونار ... أنتِ في صدري فؤاد يختلج

Friday, September 16, 2005

تحليل نتائج الانتخابات: السؤال الأول...ومفاجأة

نتائج الانتخابات تخبرنا بالكثير
وليتنا نحصل على النتائج مقسمة على الصناديق لا المحافظات...
أول سؤال سألته لنفسي: هل هناك علاقة بين نسبة المشاركة ونسبة التأييد للرئيس مبارك؟؟

أجريت العديد من الاختبارات الإحصائية، لا داعي لشرح تفاصيلها، وكلها أدت إلى نتيجة واحدة...

Election Analysis 1


"كلما ارتفعت نسبة المشاركة، ترتفع معها نسبة التأييد لمبارك"

هذه هي النتيجة العلمية، من الممكن طبعاً أن نختلف على دقتها الإحصائية، ولكن لا داعي للتسرع بالاستنتاجات، فهذه النتيجة لها تفسيرات كثيرة:

أول تفسير: النسبة الحقيقية لتأييد مبارك بين الناخبين هي أعلى من 88.5%، وقد تأثرت هذه النسبة سلباً بقلة عدد المشاركين في بعض اللجان.

ثاني تفسير: في المناطق التي فيها تأييد عام لمبارك، شارك الناس بنسب أعلى من المناطق المعارضة، حيث زادت آثار المقاطعة، وفقدت هذه اللجان تأثيرها العام على الانتخابات.

ثالث تفسير: في اللجان التي حدثت فيها تجاوزات تدخل في إطار "التزوير"، مُنِحت الكثير من الأصوات الغير حقيقية لمرشح الوطني، مُحدثة فارق واضح بين هذه المحافظات والمحافظات التي لم يحدث فيها تزوير.

هذه بعض التفسيرات المُحتملة، وهناك غيرها...
أيهما تظنون هو الافتراض الصحيح؟؟؟؟؟؟؟؟؟

أنتظر تعليقاتكم واقتراحاتكم لتحليلات أخرى... ولهذا الحديث بقية

Thursday, September 15, 2005

إمبراطورية ميم

إمبراطورية ميم

مَن مِنا ينسى هذا الفيلم؟؟؟
تعالوا أذكركم به...مع الكثير من التحريف المسموح به...

كان يا مكان إمبراطورية...
هي في الواقع لم تعد إمبراطورية، بل مجرد عائلة كبيرة
إسمها من ثلاثة حروف، أولهم كما هو معلوم ميم

كان رب العائلة ... ميم الكبير، يحكم في امبراطوريته بالطول والعرض
أحياناً بالعدل، وأحياناً بالهذل، وكثيراً جداً يغيب عن بيت عائلة المِيمِّيون، ليسهر مع الأحبَّاء والرفاق، ويمنح أهل الثقة وقتاً هو حق لأبناء بيته. تاركاً إدارة شئون البيت للحارس والخادمة سيئة السمعة.

وبسبب ذلك، ساءت وتدهورت الأحوال الميمِّية، فانحرف الأبناء أو تطرفوا، واضطرت الفتيات للعمل في البارات للإنفاق على الصغار...
وعششت العناكب في كل الحجرات...
وطال الأمر لما يقرب من ربع قرنٍ من الزمان.

وأخيراً نهض الأبناء، مُطالبين بانتخابات، يختارون فيها من يحكم في أحوال البيت الميمي. ووافق ميم الكبير مُكرهاً ومشكوراً...
واختار الإخوة أحدهم مرشحاً لهم، رمزاً للغضب والاعتراض، رمزاً لرفض السنوات التي تُرك فيها البيت بلا رب يرعاه...
واشتعلت المعركة الانتخابية على كل حوائط البيت.

لم تكن المعركة عادلة بكل تأكيد، فقد فرض ميم الكبير مواعيداً وقوانيناً محددة للتجمهر – بدعوى أن "الأولاد" يجب أن يُحَصِلُوا دروسهم ولا يتأخروا في النوم -، كما أن مؤيديه من المنتفعين بالوضع الحالي لم يدخروا جهداً في نزع الدعاية الانتخابية للمنافس المرتقب – بدعوى الحفاظ على نظافة البيت -. لكن على الجهة المقابلة، لم تكن معركة الأبناء خالية من الابتذال.

فقد وعد الأخ الأكبر كل أهل البيت بكل ما لذ وطاب، بغض النظر عن قدرته على الوفاء بوعوده، وبلا اهتمام بما تُسفر عنه هذه الوعود. فوعد الأخت الصغرى بأن يطلق حريتها في إحضار من تريد من الرجال إلى البيت، ووعد – في الوقت ذاته – الأخ التوأم، أن يسمح له بضرب أخته إذا تأخرت عن مواعيدها في الرجوع إلى البيت!!! واستخدم الأبناء المراهقون كل أسلحتهم من الألفاظ النابية القذرة، في معركة يُفترض أنها للدفاع عن الحرية.

وجاء يوم الانتخابات... وملأت البيت الميمي الزينات
وفتح أصغر الأطفال صندوق الاقتراع، وبدأ في قراءة النتائج...
مب... مب... مب... ماما
ماما... ماما... الست منى

هل حدث تزوير ما؟؟ هل تغيب أهل البيت عن الحضور؟؟ هل سرق الحارس أصوات أهل البيت الحقيقية؟؟ ربما يكون شيء من ذلك قد حدث...

لكن الأقرب للواقع والتصديق، أن مُجمَل أهل البيت – رغم غضبهم الشديد من أحوال ميم الكبير – قد اختاروا أن يستمر هو في إدارة البيت. رُبما بدافع من الخوف، رُبما لأن الأخ الأكبر ليس ناضجاً بعد، رُبما لأنهم ظنوا أنهم قد أثبتوا بالفعل وجهة نظرهم وكفى... لا أحد يدري بالتحديد.

لكن المشاهد التالية لإعلان النتائج، تطرح شيئاً من الأمل في مستقبل الأيام الميمِّية. فقد تنازلت الست منى عن حبيبها ورغباتها الشخصية، من أجل مصلحة العائلة الكبرى. واجتمع الميمِّيون في صورة جماعية، لا تُحابي لمؤيد، ولا تُعادي معارض. فالكل مصلحة واحدة، والوطن الميمي فوق الجميع.

وبينما كان الصغار يضحكون في سعادة، كان ميم الكبير يفكر في هذه الثقة التي منحها له أبناؤه، هل يستحقها؟؟ هل تعني أن كل شيء على ما يُرام وليس من داعٍ للتغيير؟؟

أم ياترى هي دعوة لكي يتغير كل شيء؟؟ لكي يعود الأب إلى البيت، ويؤدي دوره الحقيقي فيما بقى له من أيام، ويُحدث تغييراً حقيقياً يُعدُّ به كل أبناءه للمشاركة الحقيقية والفاعلة في أحوال العائلة، فهو الماضي، وهم المستقبل...

ولعل المستقبل يعود بها من جديد، لتستحق هذا الإسم العتيد...
إمبراطورية ميم

Wednesday, September 14, 2005

أيلول الحزين: احتفالات...اعتقالات...انتخابات...انفجارات...واكتئابات

في السنة التالية لانتصارات أكتوبر المُخَلَدة
في منتصف الليل الفاصل ما بين العاشر والحادي عشر
من شهر أيلول (سبتمبر) – شهر الحصاد –
في يوم عيد النيروز (الشهداء) ومع أغاني البلح الأحمر
صرخت صرختي الأولى في هذا العالم...

في ليلة صيفية،
امتلأت سماءها بالغيوم، وبللت أرضها الأمطار
وأشعلت فيها القاهرة ألعاباً نارية من البرق والرعد...
جئت إلى هذه الدنيا، مُتأخراً نحو الشهر عن موعدي

وعلى مدى ما زاد عن رُبع قرن، وما مر بين قرنين
كان أيلول دوماً علامة فارقة في تاريخي العادي، والبعد-عادي

أشرق أيلول عندي بأول ذكرى سياسية، وأنا عمري سبع سنوات
حين قرر السادات – رَحِمَهُ الله – اعتقال كل معارضيه في ليلة واحدة
ورأيت لأول مرة غضباً جماعياً من الأهل والجيران والمدرسين تجاه شخص كنت أحبه
ولم تمض إلا أيام قلائل بعدها، وقطف الغضب رؤوساً مع الخريف
وتبدل الغضب في عيون من أعرف إلى خليط عجيب بين القلق والندم والشماتة

وأتاني أيلول الخامس عشر بكآبتي الأولى
وكتبت فيه السطور الأولى من يومياتي
وظلت كآبتي تزورني بشكل منتظم مع كل ولادة جديدة لأيلول الحزين
كانت الكآبة هي نتيجة منطقية لموت عام انقضى من عمر لا أعرف مداه،
ونهاية صيف فشلت أن أحقق فيه كل ما أرجوه،
وبداية موسم دراسي أكرهه،
ومولد عام أحاول أن أملأه بالوعود والاختيارات المليئة بالحماس والتضحيات

وظللت – فيما أذكر – ما يقرب من خمسة عشر عاماً أختبر يوم مولدي وأنا خارج القاهرة أو خارج مصر،
وكان هذا بمثابة عفو عام عن الاحتفال، وهو نوع من الأنشطة البشرية التي عجزت دوماً عن ممارستها.

وفي الذكرى السابعة والعشرين لمولدي،
تغيرت الدنيا...
حينما انهالت الطائرات على أبراج الكرامة الأمريكية،
ولم تمر أسابيع، إلا وبدأت الحرب "الصليبية" على شبح الإرهاب،
وصدقت النبؤة، فتغذي الشر بالشر... وانفجرت سنوات الدم.

ولم يشأ أيلول أن يُغَير من عاداته القديمة،
فأهداني هذا العام بطاقة خضراء صغيرة، مرسوم عليها هلال...
وبينما يحتفل الوطن المزعوم بفوز الزعيم
كنت جالساً في منزلي
أنتظر بفارغ الصبر
أن تطرق بابي زائرتي الدائمة... كآبتي

Tuesday, August 30, 2005

يا مسافر وحدك: صحراء الفلاسفة


"وداعاً أيتها الحياة التي أعرفها…فأنا مسافر إلى المجهول"


الأحد: كنت غارقاً حتى النخاع في قصة العلم وماهِيَّته، وكيفية خَلق الكون منذ الانفجار العظيم وحتى نظرية التطور. منذ يومين، كنت أتحدث مع أبي الروحي عن كل ما اكتشفته، فوجدته يسألني: "يبدو أنك تعلم الآن الكثير عن "كيف" خلق الكون، ألا تريد أن تفهم "لماذا" خلق؟؟؟". أعطاني كتاباً من 640 صفحة اسمه "قصة الفلسفة"، سألته عن معنى الفلسفة…قال:"الفلسفة هي ما وراء الأشياء"، والفيلسوف هو "محب الحكمة"…ولم أفهم أنا أي شيء

الاثنين: يقول الكتاب أن الفلسفة بدأت في أثينا، حيث التقت مئات الثقافات القادمة من كل مكان بالعالم القديم، وأتى كل منهم بعقيدته الخاصة. عندما تُقدم لنا ألف عقيدة، يساورنا الشك في جميع هذه العقائد. وهذا هو بالضبط ما حدث، حيث بدأ الناس يشكون في كل شيء إلى المدى الذي قال فيه شخص اسمه ديمقرطيس إنه: "لا يوجد أي شيء في الحقيقة سوى الذرات والفراغ"!! لكن الفلسفة الحقيقية -أياً كان معنى ذلك- بدأت بسقراط، الحكيم الذي لم يعط العالم أي إجابات، لكنه منحه أهم ما في الفلسفة: "الأسئلة". يؤكد سقراط لتلاميذه: "أنا لا أعرف إلا شيئاً واحداً، هو أنني لا أعرف شيئاً"، ويتبارى مع الفلاسفة الأخرين: "قد يكون من المفيد أن تحاولون تفسير الكون، لكني أدعوكم لما هو أعظم؛ أن تعرفوا أنفسكم أولاً".
صدمتني هذه الجملة في الصميم، فأنا ركزت كل جهودي حتى الآن على العلم، مفترضاً أنني سأجد كل الإجابات في كتب الفيزياء والكيمياء، والآن عرفت السؤال الوحيد الذي لا إجابة له فيها: "من أنا؟؟". عرفت أيضاً أنني لن أدرك الحقيقة، إلا إذا أدركت حقيقتي.


موت سقراط - جاك لوي ديفيد



الثلاثاء: عرفت أن أفلاطون كان تلميذاً لسقراط، وأرسطو كان تلميذ أفلاطون…ليت المعرفة تنتقل بهذه الطريقة في المدرسة!! بعد أن حكم على سقراط بالموت، لأنه رفض وجود الآلهة، أخذ أفلاطون على نفسه أن يخترع مدينة فاضلة، لا يموت فيها فيلسوف لأجل أفكاره. ناقش أفلاطون كل قضية يمكن أن تخطر لإنسان. وربط بين كل القضايا، بدئاً بالأخلاق مروراً بالسياسة وانتهاءً بعلم النفس. واكتشف أخيراً أن هدف الفلسفة، الذي هو أيضاً هدف الحياة، هو التوافق، الهارموني، التي تضع كل شيء وكل شخص في موضعه بعدل وحساب، والتي تربط بين كل الأشياء بسلاسة وصدق. الفلسفة تجعل "الكل" "واحداً"
أما أنا، فمدينتي الفاضلة ينبغي أن تكون مليئة بالحب، غير أنني لا أتوقع فيها، مثل أفلاطون، أن تكون الحياة مثالية لا مشاكل فيها ولا ألم، بل أتخيلها أقرب ما يكون إلى حياتي الحالية، بإضافة الكثير من الحب، والقليل من الفلسفة. ثم أن أفلاطون كان يريد أن يبدأ التعليم من المهد وحتى سن الخمسين !!!!!!!

الأربعاء: سيصيبني الجنون حتماً قبل أن أنهي هذا الكتاب. لقد كان أرسطو معلم الإسكندر، ويقال أن الإسكندر مَنَحُه ما يعادل اليوم 10 مليون دولار، فماذا فعل بها؟ أرسل عمال في كل أنحاء العالم ليجمعوا له من كل أصناف الحيوانات والنباتات، ليؤسس بها أول حديقة بيولوجية في التاريخ!!! اخترع أرسطو المنطق، وهو للفلسفة مثل الرياضة بالنسبة للفيزياء. وأخذ عن أستاذ أستاذه حبه للأسئلة، فكان أساس منطقه هو "قبل أن تتحدث معي، عرف ما تقول"، فإذا أخبرته أنك إنسان، فعليك أن تعرف أن الإنسان -في تعريف أرسطو- حيوان عاقل. وإذا كنت أنت سقراط، وسقراط إنسان، إذن فسقراط حيوان عاقل…هذا هو المنطق ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!!
قضيت اليوم كله ألعب هذه اللعبة مع زملائي وأمي وجدي…"يا جدو، عرف من فضلك ما تقول، هل ارتداء النظارة صفة من صفات الحيوان العاقل؟؟". لكن ما فَتَّني حقاً في أرسطو هو حديثه عن الله: " كل شيء في الدنيا هو صورة نشأت عن شيء كان مادة لها، ومادة لصورة أكبر تنشأ عنه: الرجل هو الصورة التي كان الطفل مادة لها، والطفل هو الصورة التي كان الجنين مادة لها، وهكذا…المادة هي إمكانية الصورة، والصورة هي الحقيقة التامة للمادة. وهذه الحركة يقف وراءها الله، المحرك الأكبر، لا يتحرك بل هو كائن، معنوي ولا مكان له، لا مذكر ولا مؤنث، لا يتغير ولا يتأثر، تام وأبدي. إن الله يحرك العالم كما يحرك المحبوب المحب، إنه السبب النهائي للطبيعة، والقوة الدافعة للأشياء وهدفها، إنه صورة العالم، ومبدأ حياته"

الخميس: عجيب أن تصل البشرية لمثل هذا الرقي، ثم تتوقف تماماً عن الفلسفة لمدة 18 قرناً كاملة. ملأت فيهم الأرض الصراعات التي شهدت مجيء المسيح، ثم انتشار الإسلام. وامتلأت فيهم العقول بأفكار مسلم بها لا جدال فيها. حتى قام رجل بريطاني مبجل اسمه فرنسيس بيكون، وأهم ما فعله هذا الرجل، هو أنه هز العقول من ثباتها، مؤكداً أن نصف ما نحن متأكدين منه هو غير حقيقي على الإطلاق. إن أفكارنا عن الأشياء ما هي إلا صور لأنفسنا أكثر منها حقيقة الأشياء. (تذكرت أنا طبعاً أن هذا الوقت السعيد هو نفسه الذي كان يتم فيه تكفير من يقول أن الأرض ليست مركز الكون). لقد بدأ بيكون الزلزال الذي سيستمر ويتوحش من بعده ليحطم كل المسلمات. فيجيء بعده بنحو قرن، رجل يهودي طرد من المجمع بسبب فلسفته، اسمه سبينوزا، لقد أنكر سبينوزا على الناس كثرة أحاديثهم عن المعجزات الخارقة، فكتب يؤكد "إن قوانين الطبيعة العامة وإرادة الله الخالدة هي شيء واحد، إن كل ما يحدث في العالم لا يخضع لنزوات حاكم مطلق كالملوك الأرضيين، وليست الحياة شراً والله خيراً، بل الحقيقة كما علمها الله لأيوب هي أن الله هو فوق خيرنا وشرنا وأن الخير والشر نسبيان وفي الغالب يعودان إلى أذواق البشر وغاياتهم"
بعدها بنحو قرن تقريباً قال فولتير: "إن الله قد خلق الإنسان على صورته ومثاله، فردها له الإنسان بالمثل"
أصابني الخوف من هذه الفلسفة، أحببت ما قرأت، لكنه يخيفني…يدفعني أن أفكر كثيراً جداً وأن أشك في الكثير من الأشياء…كتبت أربع ورقات مليئة بالأسئلة وقدمتها إلى الرب في صلاة طويلة قبل النوم.

الجمعة: الأجازة كالعادة، يوم سعيد…تحدثت مع أبي قليلاً وأخبرني أن الفلسفة هي شيء خطر في الكثير من الأحيان. إن فيلسوفاً اسمه روسو قد دعا إلى الثورة على المدنية، فكانت مذابح الثورة الفرنسية…وآخر اسمه نيتشة قد طالب بسيادة قانون الغاب (حق الأقوى)، فقامت وراء أفكاره الحرب العالمية الثانية. عزفت أنا على القراءة وحاولت أن أتوقف حتى عن التفكير فلم أنجح. إلى أين يأخذني هذا العقل؟ وهل هناك نهاية لهذه التساؤلات؟ وهل هناك حقيقة؟؟ أم أن الحقيقة هي مجرد "ذرات وفراغ"؟؟ ارحمني يا رب.

السبت: تشجعت قليلاً للقراءة اليوم، وكان ذلك أفضل ما فعلت، فبعد هذا العصر المضطرب المليء بالثورة العقلية، جاء رجل قصير بثورة عكسية تماماً: ثورة على العقل. يقول عمانويل كانط في كتابه ذو الثمانمائة صفحة "نقد العقل الخالص": إننا لا يمكن أن نصل لحقيقة الكون باستخدام عقولنا فقط، فحتى هذه العقول هي جزء من هذه الحقيقة، فإذا حاولنا مثلاً فهم الكون بالرياضيات فعلينا أن ندرك أن (1+1=2) هي حقيقة خاصة بعقولنا فقط، وكذلك معنى الزمان ومعنى المكان…فلا جدوى إذن من أن نحاول تفسير الله بالفلسفة، لأن الله هو خارج الزمان والمكان معاً. إن فهم الله هو بالأحرى عمل إيماني أكثر منه عقلي.

فهمت الآن أخيراً الجملة التي قالها لي أبي الروحي: "إن قليل من الفلسفة قد يجنح بك إلى الإلحاد، ولكن الكثير منها سيعود بك إلى إيمان أعمق كثيراً"

تصبحي على خير يا مذكراتي العزيزة

مراهق مصري


يا مسافر وحدك: تعليقات على التدوينة الأولى


هنا يوجد التعليقات السابقة على الجزء الأول من يا مسافر وحدك. ولسببِ ما، بقت التعليقات واختفت التدوينة

كاترينا ... راقصة الكرة الأرضية

الإهداء إلى أبو كريم الممفساوي
الجالس في المعمل، يحكي عن زائرة الليل...

عندما ترقص كاترينا

يرتج كل شيء... من تصفيق الحاضرين

تملأ أضواء الكاميرات السماء... مثل ألعاب نارية بلون البرق

تحملنا الموسيقى في الهواء... وتدور بِنا في دوائر... تُرسلنا إلى أبعد من أحلامنا

عندما ترقص كاترينا

يغمرنا الماء... ونغرق في أحضان بعضنا البعض

ونعود فقراء لا نملك إلا إرادة البقاء

فكاترينا قد حررتنا من كل صكوك العبودية

تتحرك كاترينا على أطراف أصابعها...

ترتكز على نقطة واحدة... وتدور في تسارع لا ينتهي

على خشبة مسرحها الصغير

المرسوم بشكل كرة أرضية

عندما ترقص كاترينا

يرى البعض في رقصها صلاة... ويقولون: " كاترينا تُسَبِّح"

ويرى البعض فيه غضب الآلهة... ويقولون: "كاترينا تُحَذِّر"

ولا ترى كاترينا أي فرق بين هؤلاء وأولئك

فكاترينا ترقص... لأنها راقصة

وُلدت لترقص، وتدور،

وحين ينتهى دورانها... تموت

وتبقى حياتنا مملة... حتى موعد الحفلة القادمة


يا مسافر وحدك: أرض العلماء


وداعاً أيتها الحياة التي أعرفها…فأنا مسافر إلى المجهول



الأحد: يقولون أن جاليليو بدأ حياته العلمية عندما استمع -بالصدفة- إلى محاضرة في الهندسة، وهو في التاسعة عشرة!!! أعتقد أن شيئاً من ذلك قد حدث لي أيضاً، مع كوني أصغر قليلاً. أنا لست عبقرياً، وكل ما أعرفه عن العلم أننا ندرسه في القسم العلمي…كيمياء وأحياء وفيزياء وكل منها على 50 درجة في الثانوية العامة. كما أحب في العلم الاختراعات العظيمة، مثل التلفزيون وألعاب الكمبيوتر…
ما حدث هو أنني قررت اليوم أن أفهم سر الحياة…فتحت الكتاب المقدس على أول صفحة: "في البدء خلق الله السماوات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه" !!! سألت أبي ما معنى ذلك؟ منذ كم من السنوات خلق العالم؟ وكيف حدث ذلك؟ هل الحقيقة في الكتاب المقدس؟ ضحك أبي مني وأعطاني 25 كتاباً يزيد إجمالي وزنهم على 15 كجم، وقال لي: "الحقيقة تبدأ من هنا"…وليكن!

الاثنين: منذ 2600 سنة، جلس رجل اسمه طاليس على البحر، وهذا شيء عادي، لكن الغير عادي هو أنه سأل نفسه: "كيف خلق الكون؟" وأجاب مخطئاً: "إن كل شيء كان في الأصل ماء"، لكن هذه الإجابة الخاطئة كانت هي الجملة الأولى في تاريخ العلم، فهي أول محاولة لتفسير الخليقة بدون استخدام "الآلهة" والأساطير. وقبلها كان سقوط المطر لا يحدث بسبب التكثف، ولا الشروق بسبب دوران الأرض، لكن بسبب فرح الآلهة وغضبهم ومعاركهم !!!
أتذكر أنه كانت لدي أفكار كهذه في طفولتي، وكنت أعتقد أن الله يصيبني بألم في المعدة عقاباً على تأخري…الآن أعرف أن ذلك كان بسبب محل السندوتشات بجانب المدرسة.

الثلاثاء: بعد طاليس بثلاثة قرون، اكتشف أريستاكوس أن الأرض تدور حول الشمس، لكن هذا الاكتشاف الرهيب لم يؤخذ مأخذ الجد إلا بعد 18 قرناً كاملاً، أي سنة 1500 بالضبط، وكان الناس حتى وقتها مازالوا فخورين بأن الله خلق الأرض مركزاً الكون. كوبرنيكس كان له رأي آخر، فقد أصر على أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية، وجاء جاليليو بتليسكوبه العجيب ليخبرنا أيضاً أن هذا الكون رهيب الاتساع، وأن كوكبنا "تافه"، لا يتعدى ذرة رمل صغيرة في الصحراء الكبرى. وانهار العمود الأول في هيكل مركزية الإنسان في نظر نفسه.
أنا أيضاً، جاءني وقت اعتقدت فيه بأنني شخصياً مركز الكون، وأن أبي وأصحابي والشمس والنيل وبنت الجيران (القمر)، كلهم خلقوا خصيصاً من أجلي. حتى أثبت لي التلسكوب (النظارة المعظمة في الواقع) عكس ذلك!! وها أنا، مجرد مراهق ضمن مئات الملايين، الذين يحبون بنت الجيران.




الأربعاء: أكملت قراءة بعض الإصحاحات من سفر التكوين، ثم عدت إلى كتبي وأنا في قمة الحيرة. هل قام آدم بتسمية ملايين الأنواع من الحيوانات بأسمائها؟ وهل حمل نوح زوجين من كل منها، حتى السمك والذباب والثعابين؟؟؟ وكيف استطاع أن ينزل الكنجارو في أستراليا، والبطريق في القطب الشمالي؟؟ ظلت هذه التساؤلات تشغل البشرية، حتى اقترح داروين مبدأ "الانتخاب الطبيعي"، وملخصه أن الأنواع تتكاثر، وبسبب اختلافاتها الجسدية، يستطيع بعضها أن يبقى بينما ينقرض البعض الآخر…بهذه الطريقة تطور الإنسان من الحيوان من الزواحف العملاقة من الأسماك من الطحالب من الجراثيم !!!!!
وانهار العمود الثاني في فخر الإنسان بنفسه، فقد اكتشف أنه مجرد حلقة من حلقات هذه المسيرة الممتدة عبر ملايين السنين.
لا يعجبني هذا الكلام، فربما يكون أخي أقوى مني وربما تكون أختي أذكي (أقول ربما!)، ربما هم أصلح مني للبقاء والتكاثر، وربما يتطور عنهم إنسان سوبرمان…لكني أبقى مع ذلك مؤمناً تماماً أن الله خلقني لذاتي، وأحبني كما أنا، هذا الإنسان الغبي الضعيف الذي فيّ.

الخميس: هل أنا مخير أم مسير؟ سؤال يتكرر بكثرة كلما قرأت أسماء مثل مندل أو سيجموند فرويد…عندما اكتشف مندل قوانين الوراثة، وضع حدوداً واضحة -لكن شاسعة- لما كان يمكن أن يسفر عنه تزاوج أمي وأبي (14 مليار احتمال تقريباً!!)، وعندما وضع فرويد نظريته في التحليل النفسي، دمر ما تبقى للإنسان من فخر على هذا الكوكب. نظرية فرويد -برغم كل ما بها من أخطاء- وضعت علامات استفهام كبرى عن معنى الشخصية والطبع والإرادة، أنا قضيت اليوم كله أنظر إلى كل زملائي بالمدرسة باعتبارهم معقدين، هذا متفوق بسبب عقدة نقص من طفولته، وهذا صديقي لأن لديه احتياجات عاطفية ترجع إلى وقت الرضاعة…وهكذا، وحينما انتهى اليوم شعرت بالندم الشديد وبالحنق…لا يا سيد فرويد، إذا قال العلم أن انفعالاتنا هي ردود فعل لخبرات طفولتنا فالعلم قد يكون على صواب، لكنني بكل تأكيد حر تماماً في اختيار رد الفعل الذي يناسبني، فإذا أحب أهلي اخوتي أكثر مني…قد يجعل مني ذلك أباً ظالماً أو حنوناً على حد سواء.

الجمعة: اليوم أجازة وعندي وقت أكثر لكي أقرأ، تركت العلم جانباً وانهمكت في قراءة كتاب عن "التكنولوجيا"، هذه المنتجات الرهيبة الغريبة العجيبة اللذيذة الخطيرة التي ابتكرها العلماء…ينظر إلى جدي في عجب ويمصمص شفتيه قائلاً: "جيل كمبيوتر"، ياجدو…أنتم كنتم جيل القنبلة الذرية وصعود القمر والتلفزيون، ولم تكن كلها أشياء طيبة ولا شريرة…نحن جيل الكمبيوتر والموبايل والدش والانترنت، وأولادي سيكونون جيل الاستنساخ وربما يرى أحفادي السفر عبر الكواكب!!! لست أخشى التكنولوجيا ولا أنبهر بها في الوقت ذاته، لكني من اليوم سأحاول أن أفهمها وأفهم ما وراءها من العلم…وهذا التزام مني لك يا مذكراتي العزيزة.

السبت: منذ أقل من مائة وخمسين عاماً، اعتبر الناس اختراع التطعيم تحدي للسماء وإرادة الله، ورفضوا تخدير المرأة لأن الله أخبرها في العهد القديم أنها "بالوجع ستحملين وتلدين"!! الآن تدور المناقشات حول الاستنساخ إن كان حرام أو حلال…وبينما تتحرك الدنيا الآن بسرعة الميجاهيرتز، مازلنا نحن -كما قرأت في الجريدة- نحتفل بعلماء يحاولون التنبأ بالمستقبل بتحليل الإنجيل بمعادلات رياضية، ويخترعون نظريات لاكتشاف سرعة الضوء من القرآن وقراءة اسم الجلالة في الخلايا الحية…اللهم لا اعتراض!!!!
يقولون في الكتب أن عقولنا، بإمكانياتها الحالية، لن تستطيع أن تتوافق مع هذا التقدم الرهيب في العلم والتكنولوجيا، وأننا بحاجة إلى عقول جديدة لكي نتمكن من الحياة في هذا العالم الجديد…صليت اليوم إلى الرب أن يعطيني أن أطور عقلي بالطريقة التي يريدها وللهدف الذي يريده…

تصبحي على خير يا مذكراتي العزيزة
مراهق مصري

ملحوظة: لسببٍ ما، ضاعت هذه التدوينة بعد أن نشرتها، فها أنا أنشرها مرة ثانية، وأتبعها بجزءها الثاني خلال ساعات.


Sunday, August 28, 2005

استطلاعات الرأي: محاولة للفهم



دخلنا مرحلة استطلاعات الرأي، وفوضى استطلاعات الرأي.
لمدة الأيام الخمسة القادمة، سوف نقرأ كل يوم عن نتائج استطلاع يخبرنا من سيكسب الانتخابات القادمة.
وستكون النتائج مغايرة تماماً لبعضها، وسيكون معظمها لا علاقة له بالحقيقة.
وقد بدأت النتائج بالفعل، فهنا يكسب أيمن نور بلا منازع، وهنا يكسب مبارك وكأنه هو المرشح الوحيد، وكل من الإثنين يدعي أن مصدره هو آراء الجماهير.
ولأن كل ما يحدث هو فرصة لكي نتعلم، فالسطور القادمة تحكي بإيجاز شديد عن كواليس استطلاعات الرأي في العالم المتطور... ولعلنا نقرأ ونفهم.

الهدف من عمل استطلاع للرأي حول التصويت في الانتخابات هو توقع نتيجة الانتخابات. جملة شديدة البساطة. وبالتالي، فالاستطلاع الجيد هو من يقدم نتائج هي الأقرب للنتيجة النهائية.

في الدول "الديمقراطية"، يعتبرون أن استطلاعات الرأي عملية علمية بحتة، يقوم بتحضيرها أساتذة دراسات اجتماعية وإحصاء من أكبر الجامعات، وتشرف على الاستطلاعات مؤسسات محايدة، تعطي درجة لكل جهة تقوم بالاستطلاع، وتُحَتِّم على هذه الجهات أن تنشر هذا التقييم بجانب نتائج الاستطلاع. كما تتم المقارنة سنوياً بين نتائج الاستطلاعات المختلفة والنتيجة الحقيقية للانتخابات، ويتم تعديل طرق الاستطلاع التي فشلت في الاستنتاج لتؤدي بطريقة أفضل في العام التالي.

فما الذي يجعل الاستطلاع ناجحاً؟؟

يتم عمل استطلاعات الرأي من خلال التليفون أو وجهاً لوجه، حيث يتم التأكد من شخص المُجيب ومن أنه ضمن الكيان المطلوب دراسته (في حالتنا مثلاً، الكيان هو المصريون الذين لديهم بطاقة انتخابية وينوون الإدلاء بصوتهم يوم الانتخاب – حيث أن أي شخص خارج هذه الشروط رأيه لا يعبر عن نتيجة الانتخابات). وهناك بالطبع قواعد لا حصر لها للتأكد من أن لا "السؤال" ولا "السائل" يقومون بتوجيه المُجيب في أي اتجاه.

يتضمن كل استطلاع ما بين ألف إلى ألفين شخص، وهذا الرقم كافي جداً ليعطينا فكرة قريبة عن نتائج الانتخابات. وهذه هي معجزة العلم الإحصائي – بدون دخول في التفاصيل -. فعينة بحجم ألف شخص تعطينا خطأ حوالي + أو – 3% فقط على كل إجابة من الإجابات.

يتم اختيار العينة بطريقة عشوائية، وبطريقة تحاكي تقريباً التوزيع الحقيقي للفئات المختلفة في المجتمع الذي ندرسه. ففي مصر، ينبغي أن يشمل أي استبيان انتخابي كل محافظات مصر، رجال وسيدات وأنسات، فقراء وأغنياء، عاملين وعاطلين... وتزيد على ذلك بعض طرق البحث بأن تضيف وزناً مختلفاً لإجابات الفئات المختلفة بحسب وجودها في المجتمع المستهدف. (كان المتبع مثلاً أن يتم اختيار العينة من المقيدين بدليل التليفونات – ثم اكتشف علماء الاجتماع أن نسبة كبيرة من الشباب تكتفي بالمحمول وليس لها رقم تليفون أرضي، وبالتالي فالعينة غير عشوائية).

وكما ذكرت، يتم استبعاد كل من دلت إجاباته على الأسئلة أنه غير مسموح له أو غير راغب في التصويت، أما من يقول أنه لم يقرر بعد من سينتخب، فيتم توزيع إجاباته بناءً على عدد من القواعد التي أشرحها لاحقاً. وتؤثر آراء هؤلاء "الذين لم يقرروا بعد" بشكل رئيسي على النتائج الأخيرة.

كما أنه لا يسمح إطلاقاً بقبول متطوعين للإجابة، خوفاً من أن يقوم أحد الأحزاب بتوجيه مؤيديه لإغراق اسبيان معين بإجاباتهم، مؤثرين بالتالي على نتائجه، بغرض الإيحاء للناس بقوة مرشحهم.

إذا اعتمدت كل الاستطلاعات على نفس الطرق، هل تأتي بنفس النتائج؟؟

بالإضافة إلى الخطأ الإحصائي العادي، هناك عدد من العوامل يؤثر على النتيجة، أهمها وقت عمل الاستبيان. الدراسات النفسية تقول أن الاستبيانات تقيس "هوى" الناس في مرحلة ما، ولا تقيس معتقداتهم العميقة. وهوى الناس يتقلب كثيراً في أيام الحملات الانتخابية، بل وحتى لحظة التصويت. حيث يُغير الكثير من الناس رأيهم وهم أمام هيبة "القرار النهائي". وهناك بالتالي دول كثيرة تقوم بعمل استطلاعات للخارجين من اللجان الانتخابية، وذلك في محاولة لاصطياد أي تغيير عن نتائج ما قبل يوم الانتخاب.

كما أن التجربة أثبتت أن تغير هوى الناس لا يظهر في إجاباتهم سريعاً، فهناك فرق يومين تقريباً بين التغيير في رأيي وقدرتي أن أعبر عن هذا التغيير في إجابة سؤال.

والدراسات تقول أنه من كل 20 استطلاع هناك واحد من المحتمل أن تكون نتائجه بعيدة تماماً عن الحقيقة، وهذا نوع آخر من الخطأ الإحصائي. ولذلك يجب الاعتماد عادة على أكثر من استطلاع واحد للتأكد.

الخطأ الإحصائي ... الخطأ الإحصائي ... يعني إيه؟؟

من المهم جداً أن نفهم هذا الجزء، عندما نقول أن نتائج أي استبيان مؤكدة "زائد أو ناقص 3%"، فهذا ينطبق على كل إجابة منفصلة من الإجابات (إلا قليلاً):

فلو كان هناك مرشحين فقط: "أحمد" و "الحاج أحمد"، وحصل "أحمد" على 52%، و"الحاج أحمد" على 48%، فمازال هناك فرصة أن يكسب "الحاج أحمد" الانتخابات، بأن يزيد 3 درجات وينقص منافسه 3 درجات فيصبح هو الفائز

ولو كان هناك ثلاث مرشحين: حصلوا على 52%، 45%، و3%... فمازالت الانتخابات غير محسومة أيضاً، فالمرشح الثاني يمكنه أن يحصل على 5 نقاط، بينما يخسر الأول والثالث 2.5 نقاط كل منهما، ويكسب الثاني. (ولأنني أقول "إلا قليلاً"، فالمرشح الثاني لن يحصل على ال6 درجات كاملة)

وهكذا... كلما ازدادت عدد الإجابات، ارتفع الخطأ الإحصائي

ولو عندنا استبيان به 12 إجابة (عشرة مرشحين، و "سأبطل صوتي"، و"لا أعرف")، هذا الاستبيان يمكن أن يظهر في نتائجه أن مُرشح يتقدم على آخر بنسبة عشرين بالمائة، ولا يعني هذا شيئاً. ولذلك يتم عادة حزف كل الإجابات التي نتائجها أقل من 5%، ويتم الاكتفاء بأربعة اختيارات على الأكثر.

هل تؤثر الاستطلاعات على نتيجة الانتخابات؟؟

من الثابت أن نشر نتائج الاستطلاعات لها تأثيرات مختلفة على الناس (أترجمها بلا محاولة لتوخي الدقة):

العربة الرابحة Bandwagon: يصوت بعض الناس لصالح المرشح المحتمل فوزه
الكلب الخاسر Underdog: يصوت بعض الناس لصالح المرشح الخاسر
الثقة المحبطة De-motivating: لا يذهب البعض للانتخاب لثقتهم في فوز مرشحهم
القلق المحفز Motivating: يذهب البعض للانتخاب في اللحظة الأخيرة خوفاً على مرشحهم
الإرادة الحرة Free Will: يتعمد البعض التصويت عكس الاستطلاعات لإثبات أنها خاطئة


كما أن هناك نظرية – تُذكر في نفس السياق – أن من لم يقرروا بعد غالباً يقررون ضد الرئيس الحالي، ولكن ليس بالضرورة ضد منافسه الأقرب.

ولكل ما تقدم، فقد كان هناك حوارات في كل دول العالم تقريباً حول السماح بنشر استطلاعات الرأي قبل الانتخابات مباشرة أو في يوم الانتخابات. وقد انتصرت المحاكم الدستورية في الكثير من البلاد لحرية الرأي والنشر، لكن المعركة جاءت ببعض الخسائر في دول أخرى من بينها مصر.

في الفلبين حكمت المحكمة الدستورية بحق نشر الاستبيانات في 2001، في تايوان يُمنع النشر قبل الانتخابات بعشرة أيام، في الهند كان المنع يمتد لأكثر من شهر قبل الانتخابات، ثم ألغت المحكمة الدستورية هذا القانون، في كندا كان النشر يُمنع قبل الانتخابات بثلاثة أيام، وأيضاً قضت المحكمة الدستورية في 1998 بعدم دستورية ذلك.


وملحوظات أخيرة...

حاولت أن أجيب عن عدد من الأسئلة المتعلقة باستطلاعات الرأي الخاصى بالانتخابات، وكان هدفي الأساسي هو أن نعرف كيف تحدث الأشياء في العالم الذي تأخرنا عنه عشرات السنين.

وتذكرت كثيراً وأنا أقرأ عن الموضوع، ثورة العناترة (جمع عنتر) حين قال أحمد نظيف أننا شعب غير ناضج في مسألة الديمقراطية هذه. طبعاً كان مخطيء ويستحق كل ما تعرض له، لأن المصري الأصيل سينتفض بعد سبعة آلاف عام من الديكتاتورية وسيجد في نفسه يعرف كل شيء عن هذه الدنيا التي لم يختبرها يوماً...

أقترح عليكم أن تدخلوا على هذا الموقع، ستجدوا دروس لكل مرحلة سنية، من ابتدائي إلى ثانوي، لتعليم أصول السياسة والديمقراطية منذ الطفولة. اقرءوا باهتمام، وستفهموا أين نحن وأين هم.

كلمة أخيرة: كل ما قيل عن الاستطلاعات ينسف تقريباً مصداقية أي استطلاع رأي على الإنترنت، فلا العينة عشوائية ولا محايدة، ولا الغش ممنوع، ولا الأسئلة مركبة، ولا التحليل علمي... لكن هذا لا يمنع أننا نستمتع بها ونستخدمها كنافذة على الأقل لاستطلاع رأي مرحلة سنية وطبقة اجتماعية معينة. لكن المهم هو ألا نحملها أكثر مما تحتمل.

مراجع:

http://www.pbs.org/elections/kids/educators.html
http://www.usatoday.com/community/chat/1013norman.htm
http://whatdoiknow.org/archives/000533.shtml
http://www.nscb.gov.ph

http://www.mori.com





Saturday, August 27, 2005

نتيجة استطلاع، واستطلاع جديد، وموضوع جديد


أضع نتائج الاستطلاع الخاص بالمناظرات الرئاسية،

37 شخص، وطلب عارم (62%) لمناظرة بين مبارك ونور ...

ثم أضع استطلاع رأي جديد (تحت على اليسار). أرجو أن يجيب عليه فقط المستحقين (المصريون الذين لديهم بطاقة انتخابية). قولوا لنا ما هو وضعكم الحالي؟؟

وخلال ساعات، أنشر موضوعاً خاصاً عن استطلاعات الرأي

Thursday, August 25, 2005

الأهرام وعدالة التوزيع: فضيحة بالسنتيمتر



وحق الساعات العشرة التي قضيتها في الاعداد لهذا المقال...

اقرءوا هذه الفضيحة، اطبعوها، احكوا عنها، انشروها للجميع

يقولون أن كل مرشح لديه الحق في مساحة متساوية في كل وسائل الإعلام القومية، وعلى ذلك، فقد قررت أن أخوض الاختبار بنفسي.

بالمسطرة والقلم، أمسكت جريدة الأهرام لمدة ثلاثة أيام متصلة، حسبت المساحة بالسنتيمتر المربع لكل مقال كُتب عن مرشحي الرئاسة وبرامجهم، والتزمت بالقواعد التالية:

1. المساحات التي دخلت في الحسبة هي فقط التي تروج بصورة مباشرة لأحد المرشحين، والتي تُعتبر جزءاً من مقالات الأهرام "المجانية" - غير المدفوعة-.

2. لم آخذ في الحسبان أي إعلانات، سواء تلك المدفوعة من الأحزاب أو التي يتطوع لنشرها رجال الأعمال وشركات قطاع الأعمال (المملوكة للحكومة)

3. لم آخذ في الحسبان أي كلام عن أنشطة الرئيس العادية من سياسة خارجية وخلافه (والملحوظ إنها نادرة في الأيام الماضية)

4. لم آخذ في الحسبان ملحق الأهرام الانتخابي.

5. دخل في الاحصاء خبرين فقط عن قرينة الرئيس.

والنتيجة؟؟؟

كان المفروض أن يحصل برنامج كل من المرشحين العشرة على 10% من المساحة المخصصة في الأهرام لتغطية الانتخابات...

أما ما يحدث بالفعل، فهو أن برنامج مبارك وحده ينال ما متوسطه 85% من المساحة المخصصة يومياً، وتتوزع ال15% الباقية على المرشحين التسعة ...

أي أن الرئيس يأخذ أكثر من حقه ثمان مرات، وكل مرشح يأخذ أقل من ثُمن حقه.

الصورة عندكم...اقرأوها (اضغط هنا لترى الصورة مكبرة)

وحق الساعات والسنتيمترات...أتحدى أن يُكذب أحد هذا الكلام

ملحوظة: أعيد نشر هذه التدوينة بعد بعض التصليحات اللغوية دون تغيير كلمة واحدة. (أضفت رابط للصورة المكبرة)

تعليقات: من التعليقات المثيرة على الطبعة الأولى - بحسب محمد -، جريدة المصري اليوم أجرت تحليلاً مشابهاً، بحساب عدد الكلمات في كل الجرائد القومية في يوم واحد وتوصلت أن الرئيس مبارك يحصل على 82% من المساحة الكلية لتغطية الانتخابات.

يقول علاء أن مركز القاهرة توصل إلى نفس النتيجة تقريباً والله أعلم.





Tuesday, August 23, 2005

هذا الرجل يستحق بعض الأصوات



أعجبني أسامة شلتوت...

فهو مصري صادق النية، طيب الملامح والشخصية، وهو جاد في البحث عن الحقيقة والالتزام بها.

وحين يتكلم شلتوت عن الآخرين فهو لا يُجامل ولا يبحث عن كلمات "وسطية"، لكنه يحترم الجميع، فينتقد مبارك، لكن يلقبه ب"الريس مبارك" - بلهجة فيها شيء من الحب!! - ، ويحكي عن "الأستاذ صفوت"، والأستاذ "كمال حلمي".

أعجبني أسامة شلتوت...لكني لن أنتخبه، فأنا أختلف مع الكثير من أفكاره، كما أن الرجل يعيش في عالم "مثالي" ساذج، هو يرى نفسه على غير حقيقتها، ويرى العالم من خلال نفسه. لكنه - أكرر- شخص صادق.

كل من رأيت من مرشحين حتى الآن أجبروني أن أستبعدهم تماماً من حساباتي بعد الدقائق الخمس الأولى، أما هذا الرجل، فمع أني لن أنتخبه، إلا أنني أحببت الاستماع إليه، وأحب مناقشته في المستقبل، واستضافته في موقعي للحوار معه.

يدَّعي شلتوت أن له فلسفته السياسية الاقتصادية الاجتماعية الدينية الخاصة، فلسفة "التكافل".

وتطبيق "التكافل" اقتصادياً يعني بالنسبة له أن يُوزع جزء من "خيرات مصر" على كل المصريين بالتساوي (مئه جنيه شهرياً)، ويترك الباقي للمنافسة المفتوحة!

لكن الرجل المجتهد لديه دراسة من ألف صفحة للقضاء على البطالة. وإن كان أحد مبادئها أن نُخير المستثمرين في المشاريع المسموح لهم اقامتها، ولا نترك لهم القرار حراً، وأنا أعتقد أن هذا كفيل بعزوف المستثمرين عن الاستثمار أساساً.

وتطبيق "التكافل" على السياسة الداخلية جعل شلتوت يقترح حكومة ثلثها من الحزب الوطني، ثلثها من المعارضة والمستقلين، وثلثها من حزب التكافل (فيهم زوجته وإبن عمه)

وقد أعجبني في حكومته اختيار أبو غزاله وزيراً للدفاع، ورفعت السعيد - حزب التجمع - للثقافة أو الإعلام. وأعجبني أنه فصل وزارة الشباب عن وزارة الرياضة والبطولة (الأولى أعطاها لحمادة إمام والثانية لمحمود الخطيب، طبعاً لأجل التكافل بين الأهلي والزمالك).

و"التكافل" في السياسة الخارجية يعني أن ننظر أولاً إلى دائرتنا المقربة - دول حوض النيل - ونتكافل معهم، ثم ننظر إلى الدائرة العربية ثم الإسلامية ثم العالمية. وأعجبني هنا أنه يرى التكافل ليس على مستوى الحكومات، بل على مستوى الشعوب: الجمعيات الأهليه، الإذاعة والتلفزيون، الرياضة... وهكذا

وأقسم شلتوت أن يكون أول قراراته هو قانون محاسبة رئيس الجمهورية، حيث يُحاسب الرئيس بعد ثلاث سنوات من حكمه (نصف المدة)، وإذا لم يف بوعوده فليعزل أو يسجن من ثلاث إلى سبع سنوات. ولا أعلم لماذا لم يفكر في أن يختصر مدة الرئاسة إلى أربع سنوات وخلاص!! ومن الذي سيسجن رئيس مصر إن شاء الله؟؟

أما "تكافل" شلتوت الديني فهو مُحير إلى حد كبير. فهو يُطالب بجمع كل علماء الأديان والوثنية والإلحاد في قصر كبير، ونتركهم يتباحثون ويتحاورون، ثم يخرجوا علينا ليخبرونا بالدين الحق. ويقول أن كل شخص من حقه بعد ذلك أن ينضم لهذا الدين الحق أو يبقى على دينه. ويتصور أنه بذلك سيقضي على مشكلات صراع الأديان في العالم.

ويقول شلتوت: "لو كان رئيس أمريكا مسلم، فلنتركه يحكم العالم" !!!!!!!!!!!!!

ويعتمد شلتوت بشكل أساسي على كونه من الأشراف (سلالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم)، وشعار حملته: "حرام واحد من التسعة يبقى رئيس مصر، وعندنا الشريف/ أسامة شلتوت).

ويرى شلتوت أنه أفضل المرشحين لأن كلهم "أحاديو التأهيل"، بينما هو - بجلالة قدره - خماسي التأهيل (دارس محاسبة وحقوق واقتصاد ودراسات إسلامية وعسكرية).

ورغم كل هذا الكلام اللي في اللابوريا، أو في عالم والت ديزني، فقد أعجبني أسامة شلتوت بحق، وأتمنى أن يحصل على بعض الأصوات ليبتسم. وأتمنى أن ألتقى به مرة وجهاً لوجه، ليستمر الحوار.





هل تؤيد عقد مناظرات بين مرشحي الرئاسة؟؟


استطلاع جديد للرأي (تحت على الشمال)
قولوا رأيكم أفادكم الله ...

نزولاً على التعليقات، أضفت احتمالين جدد: مناظرة بين أربعة من مرشحي الظل، و"إجابات أخرى" لمن لم يجد ضالته في الإجابات الموجودة، وإن كنت أفضل أن نحاول الاختيار من الموجود

حتى الآن تتزعم المطالبة بمناظرة ما بين مبارك ونور الترشيحات، تليها مناظرة ما بين نور وجمعة.


Saturday, August 20, 2005

استسهالاً أم استهبالاً: أراجوزات الانتخابات


تابعت حتى الآن ثلاثة من مرشحي الظل في انتخابات الرئاسة (وذلك باعتبار أن مرشحي النور هم مبارك وجمعة ونور بحسب شهرة ما قبل الانتخابات)

وكل ما أستطيع أن أقول هو "مسخرة"

ما بين مرشح للرئاسة يعلن أنه شخصياً مقتنع بمبارك وسينتخبه، وآخر يدعو - كرئيس جمهورية - إلى مظاهرات في الشوارع كأسلوب لمقاومة احتلال أمريكا للعراق، ويؤكد عودة القطاع العام ويعتمد في حملته أن مصر كلها من "المسلمين العرب"، وثالث يدعو إلى "وحدة أفريقية" يحكم فيها كل زعيم بلده كما يشاء وبلا تدخل من أحد !!؟؟!!

وأخذ الثلاثة "راحتهم" في الجلوس والضحك والعصبية وحركات الوجه، بما لا يتفق مع أبسط قواعد الأداء التلفزيوني لمرشح انتخابات.

في تقديري كمشاهد يبحث بلهفة عن اكتشاف زعيم محتمل جديد، أن الأداء العام للثلاثة كان كارثة تصيب بالإحباط... وتؤكد أنه "مافيش فايدة"

وأتساءل لماذا؟ وأجد ثلاثة تفسيرات:

1. بما أن هؤلاء المرشحين لا أمل لهم فعلياً، فهم لا يتعاملون مع الموقف بجدية

2. هذه هي حدودهم الحقيقية وحدود خبرتهم، وهذه هي برامجهم التي يعتقدون أنها جيدة

3. هناك اتفاق أصلاً بين هؤلاء وبين الحزب الحاكم، ليقوموا بدور "الكومبارس" في لعبة تستهدف أساساً "تخويف" الناس من عواقب انتخاب من لا يعرفونه.

وأتصور أن الاحتمال الأول غير مقبول، فبغض النظر عن فرصة الفوز، إذا كنت رئيس حزب، ولديك الفرصة أن تظهر أمام كل وسائل الإعلام بصورة مكثفة، وأن تعرض نفسك كرئيس جمهورية محتمل، فلا يوجد أي سبب يمنعك من أن تبذل كل الجهد الممكن في أن تظهر بمظهر جيد، لعل ذلك على الأقل يأتيك بمقاعد في مجلس الشعب، أو يحصل لك على أصوات يفتخر بها أبناءك. وإلا فلماذا دخلت اللعبة أصلاً؟؟

فأما الاحتمال الثاني، فهو يدور حول تعريف "كل الجهد". وهنا المقياس مختلف بالنسبة لكل إنسان، لكننا نتحدث عن رؤساء أحزاب، رأوا في أنفسهم الكفاءة لقيادة وطن!!! ألم يقرأ واحد منهم أبسط كتب "كيف تكون مقنعاً" مثلاً، بل ألم يقرأ واحد منهم كتاب "الأمير" لميكيافيلي والذي تكرمت مكتبة الأسرة وقدمته لنا بجنيهين منذ عامين أو ثلاثة. ألم يتابعوا مناظرات الرئاسة الأمريكية؟؟ ألم يحضروا أي مؤتمرات اقتصادية؟؟ ألا يشاهدوا البرامج الجادة على الفضائيات؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ هل هو الاستسهال، أم أن حال مرشحينا هو علامة واضحة عن مقدار النضج السياسي في طبقة محترفي السياسة؟؟

إننا نتحدث عن مستوى بديهي من التحضير والقدرات، لا علاقة لها بهذه الانتخابات، بل هي في الأساس أشياء مطلوبة في أي "مدير"، فما بالكم برئيس حزب.

أما الاحتمال الأخير فهو مرفوض بالنسبة لي - رغم أن الكثيرين سيعتبرونه هو الاحتمال الوحيد - فأنا لا أتصور أن يقبل أي إنسان القيام بعمل نجاحه فيه هو أن يفشل. إن العاهرات يبذلن كل الجهد كي يُسعدن الزبائن، لأن ذلك هو ما يضمن لقمة العيش، والجواسيس يفعلون كل شيء من أجل أن يكونوا محط إعجاب، لأن هذا هو ما يوفر لهم العلاقات والمعلومات... وأنا لا أتصور أن يقبل رئيس حزب مصري اتفاقاً يضعه في مرتبة أقل من العاهرات والجواسيس، فيكون هدفه هو أن يطل علينا "كأراجوز" لا يُضحك، يريد أن يقنعنا أنه لا يصلح، أو أن غيره هو الذي يصلح.

أشفق عليهم من قسوة الكلمات...ثم أعود فأشفق علينا من مستقبل لا رجاء فيه


Wednesday, August 17, 2005

الكنيسة والسياسة: حديث أخير


بمنتهى الصدق أقول أن أكثر ما أثر فيَّ خلال هذا الحوار حول العلاقة بين الكنيسة والسياسة هو المشاركات العميقة - وإن كانت قليلة - للإخوة المسلمين، وهؤلاء الذين استطاعوا أن يتجاوزوا العنوان - الذي يبدو محلياً جداً - إلى المعنى الذي يمكن أن يصيرموضوعاً لحوار عالمي تاريخي بدأته الدنيا من ألاف السنوات ولم تنته منه بعد: الدين والحياة...

شاركني درش في الدعوة للحوار، ثم اقترح أن يمتد الحوار ويستمر ليشمل علاقة الإسلام بالدولة، ويقول "وأعني بالإسلام المؤسسات الدينية و"رجال الدين" والأفراد العاديين، ليتنا نستطيع أن نتوصل إلى أفضل صياغة يجب أن تكون عليها العلاقة بين معتقادتنا وتنظيم مجتمعنا".

وعلق قاريء - غير مدون وقع بإسم "مصطفى عبد العزيز"* -، مؤكداً أن كل الأديان ترفض أن تعقد صفقات "عملية" مشبوهة، وإلا "تفقد (الأديان) كل شيء"

وتوالت التعليقات - من مافي وابن عبد العزيز ورامي ودرش - لتؤكد بأشكال مختلفة أننا جميعاً نتفق أن "الدين له دور عميق في المجتمع"، وأن المشاركة الإيجابية للمؤسسات الدينية في تفعيل دورها هي واجب عليها. واتفقنا تقريباً أن هذا الدور ينبغي أن يكون مرتبطاً بالفلسفة والمبادئ العامة للحياة بكل جوانبها بما فيها السياسية منها، وأن هذا الدور لا ينبغي أن يتجاوز حدودة ليدخل في "تفاصيل" الاختيارات الحياتية لأفراده، إلا فيما يتعلق بحظر أحد الاختيارات لأنه "يتعارض مع الإيمان".

وربما نكون اختلفنا قليلاً في العلاقة بين الكنيسة - ككيان اعتباري - وقائدها والعاملين فيها بصفتهم الشخصية. وأحسب نفسي مع الرأي القائل بأن كل من ارتضى أن يتولى منصباً اعتبارياً عليه أن يتحمل العبء الناتج عن ذلك، والذي يجبره أن يكون شديد التحفظ في التعبير عن وجهات نظره الشخصية والتصرف بحسبها. فبرغم أنه حق شخصي، فأنا لا أتصور أن يعلن رئيس مصر مثلاً - في حوار شخصي - أنه يحلم بأن تزول إسرائيل من الوجود (وقد فعلتها بالأمس بالمناسبة مذيعة الساعة العاشرة على قناة دريم)، فرأيه الشخصي هنا ينسحب على الكيان الذي يمثله.

وبالمناسبة، فقد نشر الأهرام يوم أمس حديثاً جديداً للبابا شنودة، أكثر شخصية، لكنه يحمل الرسالة الترويجية ذاتها للرئيس مبارك!!!

اكتشفت بالمصادفة ثائر قبطي ينشر من أمريكا، ولا أقول بأني قرأت كل ما قال، ولا بأنني أتفق مع كل ما قرأت، لكن الشيء بالشيء يذكر، ولذا لزم التنويه

وأخيراً، أعلن واحد من مصر أنه ينوي أن يفتح الحديث في مدونته عن الدين والسياسة، فلعلنا نجد عنده المزيد.

***

وضعت سؤال أجاب عليه 24 فرد، أترك لكم تحليل الإجابات بلا تعليق. لكن تذكروا طبعاً أن الناس فهموا السؤال بطرق مختلفة، فما هي "الكنيسة"؟؟، وما هو المقصود "بالأراء السياسية"؟؟. وعموماً الأرقام ليست بعيدة، وتظهر فيما يبدو نوع من الميل نحو الوسطية.

***

نحاول أن ننهي إذن ما بدأناه، فيكون لدينا نقطة ننطلق منها للأبعد. اقترح رامي أن نكتب رسالة إعلان مبادئ تُصَّعَد للأساقفة في المجمع المقدس، وأيد الكثيرون الاقتراح. إذن أحاول أن أكتب بضعة سطور كبداية، وأنتظر تعليقاتكم عليها حتى تصل لمرحلة النضج، وبعدها يمكن أن ننشرها لجمع التوقيعات ثم ننظر في أسلوب توصيلها.

" نحن جماعة من المصريين، مسيحيين ومسلمين، مختلفين في اتجاهاتنا وأفكارنا، لكن متفقين في احترام اختلافاتنا، ومتفقين في احترام أدياننا والكيانات التي تقودها، ومتفقين في حب مصر، والحلم بها وطناً حراً للجميع، نعيش فيه ما نتعلمه من إيماننا... نرسل هذه الرسالة إلى أساقفة المجمع المقدس، ونرجو أن يقبلوا منِّا ما كتبناه، وقد كتبناه باتضاع من لا يعرف الحقيقة، وبرجاء من يثق أن الله وحده هو القادر أن يصنع من جهلنا حكمة، ومن ضعفنا قوة...

نقترح أن تتبنى الكنيسة القبطية المبادئ الآتية، في إعلان واضح، لكن بالأحرى في الممارسات اليومية والوعظات والاجتماعات المقامة في الكنائس، وذلك خلال الأسابيع القادمة - فترة ما قبل الانتخابات - وكلما دعت الحاجة إلى تجديد الرسالة.

1. تشجع الكنيسة جميع أفرادها من غير المكرسين على التفاعل الإيجابي مع الأحداث السياسية والحراك الاجتماعي في مصر والعالم، وترى أن القيام بدور إيجابي في العالم هو أحد المعاني الأساسية في حياة المسيحي المؤمن. وتشجع الكنيسة كل فرد أن يقوم بدوره بالطريقة التي تمجد الله، وتحقق الخير لكل إنسان.

2. تؤكد الكنيسة على أن السلوك المسيحي لا يتضمن اللجوء لأي شكل من أشكال العنف أو الإساءة بالفعل أو القول لأشخاص أياً كانت انتماءتهم أو عقائدهم أو لكيانات أياً كان ما تعبر عنه، وتؤكد أنه طالما يشارك المسيحي بإيجابية ودون المساس بأخلاقيات الحياة المسيحية، فلكل فرد الحق في اختيار انتماءاته والوسائل التي يستخدمها للتعبير عن رأيه. وتتمنى أن يصير كل مسيحي قبطي "صانع سلام" في الأماكن التي يمارس فيها حياته ويعبر فيها عن رأيه.

3. تعلن الكنيسة أن أبناءها من المكرسين لهم دور واضح هو أن يجعلوا من الكنيسة مكاناً يتعلم فيه الأفراد كيف يعيشون إيمانهم، وبأنه لا يحق للممكرسين ممارسة الأنشطة السياسية أو الدعوة إلى توجهات أو إلى تأييد أشخاص أو كيانات بعينها. وأن ما يصدر عن أي مكرس بهذا الشأن ليس ملزماً لرعيته من الأفراد، حيث أنه لا يعبر إلا عن رأيه الشخصي. وتطالب الكنيسة في ذات الوقت أبناءها المكرسين أن يلتزموا التحفظ في إعلان أرائهم الشخصية حتى لا تتسبب في نوع من البلبلة.

قارئي العزيز، هل سيسمعنا أحد لو قلنا هذا الكلام؟؟ هل يهم أصلاً لو سمعنا أحد؟؟ إننا نتكلم لكي نعرف أننا أحياء!!!

* ملحوظة كوميدية: القارئ اسمه مصطفى عبد العزيز، هل ياترى هو درش + ابن عبد العزيز؟؟؟