Monday, March 19, 2007

حكايات بلا عنوان

يجلس في منتصف قاعة شديدة الكبر، على مقعد معدني أحمر غير مريح على الإطلاق. أما القاعة نفسها فتشبه صالة مغطاة من صالات كرة السلة، غير أنها أكبر اتساعاً بمراحل، وليس بها أثر لمقاعد المتفرجين، بل مجرد حوائط عالية بلا لون، وسقف بلا إضاءة، وإن كانت القاعة نفسها مضاءة بشدة من مصدر غير معلوم...


لا يوجد أحد غيره على مرمى البصر، وإن كان يشعر بكل تأكيد أن القاعة شديدة الازدحام، يكاد يشعر بالضوضاء الرهيبة المنبعثة من ملايين الحوارات والضحكات والتأوهات التي لا معنى لها، وتصيبه هذه الأصوات بألم في الرأس وضيق في التنفس، حتى ولو لم يرتقي أي منها إلى أذنيه.


يسأل نفسه عن سبب وجوده، أو ربما عن الوحدة برغم وجود كل هذه الأصوات، لكنه يتراجع سريعاً عن السؤال الذي يعلم أنه بلا إجابة حاضرة. يفضل إذن أن يتساءل عن معنى أن يكون الإنسان مؤمناً بلا دين، عاشقاً بلا معشوق، وفناناً بدون عمل فني واحد... ألا يشبه ذلك جداً أن يكون الإنسان وحيداً في قاعة مليئة بالملايين الذين يتحاورون بلا صوت؟


ينهض من على المقعد المعدني الأحمر، ويحاول أن يرمي كرة في السلة الغير موجودة، لطالما أحب أن يقوم بذلك في أيام طفولته... يدرك الآن جيداً أنه لم يعد طفلاً، لكنه لا يتذكر كيف تمكن من أن ينمو دون أن يخرج من هذه القاعة أبداً... كيف ينظر في نفسه فيرى ما يشبه انفجاراً كونياً من التساؤلات – وهو بشكل ما يعلم أن التساؤلات ليست في الواقع إلا الوجه الآخر للمعرفة، والمعرفة هي الجسد المرئي للإيمان والإيمان هو الروح التي خلقها الحب – إذن من أين تأتي التساؤلات وهو لم ير في حياته جسداً يعشقه، ولا إلهاً يعبده، ولا كوناً ينفجر؟؟ إنما هي مجرد قاعة هائلة تشبه الصالات المغلقة، لها حوائط بلا لون وسقف بلا إضاءة...


تصيب الكرة السلة مرة أو مرتين، وتدور آلاف المرات على الحلقة المعدنية دون أن تقرر ما إذا كانت ستهبط أم ترتفع. يعود إلى المقعد ويحاول أن يقرر ما إذا كان الوقت قد حان لينهي هذا العبث برصاصة من سلاح وهمي. لا لم يحن بعد... فمازال ساكني القاعة الغرباء المتحاورون في صمت لا يوافقونه على الرحيل. يقول هذا لنفسه ويضحك، فلا يوجد أي سبب ليكون لهم القرار فيما يمكن أن يفعله برؤياه الخاصة، لكنه في الواقع ينتظر في بساطة أن يحبه أحدهم بما يكفي ليطلقه، إنه ينتظر أن ينهي عمله الفني المتوقف منذ ولادته وأن يتمكن أخيراً من وضع بعض الألوان على الحوائط الباهتة، ينتظر أن يصلي صلاة واحدة دون أن يسمع الأصوات في رأسه، ينتظر أن يتمكن من إدخال الكرة في السلة دون أن تلمس الحلقة أو تتردد ما بين الهبوط والصعود...


إنه ينتظر الآن على المقعد المعدني... هو ينتظر، والحوائط تنتظر، وربما أيضاً الحياة تنتظر...

9 comments:

citizenragab said...

يااااااه
حمد الله علي السلامه
والواضح ان الاكتئاب اصبح وباء

وجهي الاخر said...

رفقا يا صديقي بنفسك
قصتك اشعرتني بنفسي احيانا
وللاسف شعرت بصدق كلماتك
وللاسف تعني انني شعرت بانك مكتئب اكتئابا علي وشك ان يتحول الي شئ حقيقي مؤلم...توقف قليلا
الذين يحبونك يحبون وجودك معهم
لا رحيلك عنهم اسألهم...واستمع اليهم

تحياتي

karakib said...

لا تعليق لأنها مثيرة للتأمل

Christa said...

لكنه في الواقع ينتظر في بساطة أن يحبه أحدهم بما يكفي ليطلقه،

فعلا... فقط الحب يحررنا! ليت الناس تفهم و تدرك

أخرج من الاكتئاب يا هانى
دايما فيه رجاء

حاول تدور عن مصدر الضوء "الغير معلوم" يمكن ده يساعدك؟ و لا إيه

Anonymous said...

ويظل الانتظار ..الى اجل غير معلوم

جوستيـن said...

جمييييل

سمير مصباح said...

النص متقن ومتميز وصادق
تحياتى لك

الله...الوطن...أما نشوف said...

مدونتك أثارت لدي شجونا وجودية تطاردني كأشباح حد اللهاث, وأفر منها بكل ما أوتيت من قوة راجية من الله أن يعينني عليها حتى لا أصاب بنوبة "شلل حياتي" جديدة أعزف فيها عن كل الأشياء وتعابثني كل المعاني...ألا سامحك الله يا أخي في التدوين وفي الإنسانية وفي حب هذه البلاد الحلوة الحزينة!

eng.memo said...

اعتقد ان كل اللى قراها فكر بينه و بين نفسه شويه