أندرو هو طفل في التاسعة، يتميز بابتسامة هي أجمل ما في الوجود، عيناه فيهما ذكاء وشقاوة لكن بلا خبث.
أندرو مصري قبطي، نشأ في عائلة تقدس معنى العائلة، وتمضي بها الأيام في سلام وقناعة.
أندرو يحب أن يخدم في الهيكل في قداس الجمعة، وكان هذا في الواقع آخر ما قام به، قبل أن يركب السيارة مع عائلته متجهين إلى العين السخنة ليقضوا الأجازة الأولى بعد أن أنهت أخته امتحاناتها.
أندرو... كان الوحيد الذي مات، عندما انقلبت السيارة عند الكيلو 88...
انتهت القصة، ومضى أسبوعان من الاهتمام بالمصابين، وبقت التساؤلات...
يقولون أن الموت هو قدرنا جميعاً، وأنا لا مانع لدي، لكنني بالتأكيد أشعر بالفارق ما بين موت الشيخوخة، الذي يبدو كما لو كان جزءاً لا يتجزأ من الحياة، وموت الطفل، الذي لا يمكن تسميته إلا "موت".
يقولون أن أندرو ليس الطفل الوحيد، وأنه على الأقل لم يتألم، وأنه قد قضى لحظاته الأخيرة بين من يحبهم، ولا يسعني بكل تأكيد أن أنكر ما تراه عيناي كل يوم في فلسطين والعراق وما أعلم أنه يحدث كل يوم في نصف بلاد افريقيا، بل وكل ما تؤكده الإحصائيات عما يتعرض له الأطفال في كل مكان بالعالم... لكن هذا لا يوقف التساؤلات بل يزيدها قسوة، فلماذا يموت الأطفال؟
يقولون أن الله يختارهم لحكمة لا نفهمها، فنحن لا نعرف ما الذي كانوا سيتعرضون له لو عاشوا، وهاهو أندرو قد قضى ساعاته الأخيرة يصلي فهل هناك من وقت أفضل؟ ويرفض عقلي بل وإيماني هذه الحكايات، فأنا لا أحب حديث الحكمة المخفية، لا لأنه خطأ، بل لأنه يُستخدم بعشرات المكاييل ليفسر كل شيء نقف أمامه غير فاهمين أو مصدقين ليصير الحجة العظمى لكي لا نبحث عن المعنى، فإذا كان كل شيء مقرراً مسبقاً لحكمة مخفية، أفلا يكفيكم أن نكون مسلوبي الإرادة، فتريدون أن نكون أيضاً جهلاء؟
ويقولون في المقابل أن لكل نتيجة يوجد أسباب منطقية، فهناك ربما من اختار أن يبيع كاوتش السيارة وهو شبه منتهي الصلاحية، وهناك ربما من لاحظ أن الكاوتش ليس بحاله جيده، ولم يهتم أن ينبه صاحبها، وهناك أخيراً قائد السيارة نفسه، الذي ربما كان يمكن أن يمسك بالمقود بعنف أكبر، أو ربما المشكلة فيمن علمه القيادة من عشرين عاماً... وهكذا يمضون في محاولة لإرجاع كل ألم في هذا العالم إلى خطيئة ارتكبها إنسان في يوم ما. وربما يكون كل ذلك صحيحاً بصورة ما، لكنه لا يكفي بأي حال من الأحوال لتفسير ما حدث، فكلنا نخطيء كل يوم في كل مكان بالعالم، لكن... ليست كل خطيئة تقتل طفلاً، فكأنني بالذي خلق العالم قد جعل تسعة أعشاره من الرحمة، والعُشر الباقي من العدل... فلماذا إذن يموت أندرو؟
ويقولون أخيراً: "لماذا تظن أن الموت هو أسوأ من الحياة، أو الحياة أفضل من الموت؟"، ثم ما هو الفارق بين من يعيش تسع سنوات ومن يعيش تسعين سنة؟ ألم يختبر كلاهما نفس الغنى الهائل بغض النظر عن الكم؟ ألا تكفي لحظة واحدة من الحياة لتحمل الحياة كلها إلى قلبك؟ وأصمت قليلاً، فأنا لا إجابات لدي، غير أنني أعلم – كما كان أندرو بالتأكيد يدرك ببراءته – أنني أعيش فقط هنا والآن، وأن ما تبقى من حياتي، لو كان لحظة أو مئة عام، لن يأتيني بمعنى جديد لا أستطيع أن أعيشه هنا والآن... لكنني أعلم أيضاً أنني لا أعيش لا بما يكفي ولا بما يصح، وأعلم أن اللحظة القادمة تأتيني على الأقل بفرصة جديدة، فلماذا لا يحظى الجميع بنفس الفرصة؟
هل هذه التساؤلات منطقية؟ هل هي من حقي؟ إنها على الأرجح لا تتعدى كونها نوع من البكاء المُفرغ من المشاعر، فقد كان علىَّ ألا أبكي ولم أفعل، أفلا أكتب إذن، حتى لو امتلأت الكلمات بأشباح الهستيريا؟
Tuesday, July 11, 2006
لماذا مات أندرو؟
Thursday, May 11, 2006
من موقع الحدث: الصياد الأسود والفريسة البيضاء
Tuesday, April 04, 2006
من موقع الحدث: كسوف الشمس في السلوم - أو مصر-ليبيا رايح جاي
Solar Eclipse from Salum – Egypt
لا يوجد كلمات أو صور يمكنها أن تدعي مجرد محاولة نقل الدقائق الأربع غير العادية لرحلة الشمس وراء القمر، أو بالأحرى لرحلة القمر أمام الشمس... إنما يمكنني أن أحاول وصف رحلتنا نحن – إثنان من أهل المحروسة – لمشاهدة الحدث الأعظم
بدأنا من القاهرة يوم الثلاثاء 28 ظهراً، وعدنا إلى القاهرة في منتصف ليل الخميس، قاطعين 1500 كم بالسيارة في حوالي 60 ساعة معظمها من القيادة المتواصلة. وصلنا إلى مطروح نحو صلاة العشاء. لم أكن قد رأيت مطروح منذ ما يزيد عن 20 سنة، ولم أصدق ما رأيت...
فقد تركتها مجرد مجموعة من الشواطيء رائعة الجمال، ثم أرض ترابية صحراوية تعيش فيها الأبقار والجمال والماعز جنباً إلى جنب مع البدو، فوجدتها مدينة نظيفة جميلة التخطيط، شوارعها أسفلتية مليئة بإشارات المرور الأوتوماتيكية تخبرك كم من الثواني بقى حتى ينقلب لونها. ووجدت شوارعها مليئة بالسياح الأجانب من كل نوع، تحتفي بهم مجموعة من الراقصات الشعبيات ذات الوجه والقد الحسن، على أنغام موسيقى حسب الله الشهيرة. ووجدت المطاعم معظمها تحولت من أجل عيون الليلة إلى خمارات، ولم أصدق نفسي حينما وجدت رجال الأمن مبتسمين و– الأدهى – متعاونين.
كنت أكاد أظن أننا لسنا في المحروسة، لكنني عدت إلى طمأنينتي بسرعة حينما عرفت أن الحكومة اخترعت تذكرة ب100 جنيه لدخول السلوم، لرؤية حدث يمكن رؤيته بنفس الجمال من أي مكان على البحر قبل البوابة، وزالت دهشتي تماماً عندما أخبروني أنه – نظراً لدواعي أمنية – فإنه لن يُسمح بدخول أي سيارة إلى السلوم بعد السابعة صباحاً، رغم أن الحدث لا يبدأ إلا بعدها بأربع ساعات. لكن ما علينا، كنا سعداء ... وقلنا "ماشي".
وصلنا إلى السلوم في الواقع نحو الثامنة صباحاً، ولم يكن هناك مشكلة في الدخول، لكن كان علينا – لذات الدواعي الأمنية – ترك السيارة على مدخل السلوم، والتنقل بأتوبيس عام غرب الدلتا إلى داخل المدينة. ومرة أخرى تأكدت أننا مازلنا في مصر حينما ظهر في الأتوبيس "كمسري" أصر أن نقطع تذكرة بجنيه حق النقل، مع أننا دفعنا بالفعل مئة جنيه لنركن السيارة خارج المدينة !!! وكانت أجمل المفاجآت هي مقابلة مجموعة من الأصدقاء المدونين، لا نتقابل إلا نادراً في القاهرة، لكن ها نحن نتقابل في ليبيا – إلا قليلاً –. وهم بلا ترتيب اندهاش، أفريقانو، شموسة، ألف، مصطفى والست نعامة
كانت المواقع المُعدة لاستقبال الزائرين تنقسم إلى ما تحت الهضبة، وهو موقع لطيف أمام البحر – الغير مسموح بالاقتراب منه لسبب غير مفهوم – وما فوق الهضبة، حيث سيشرفنا سيادة رئيس الجمهورية، وهو تقريباً على الحدود مع ليبيا بالضبط، وهو موقع سيء للغاية، فلا هو يطل على البحر أو على أي منظر طبيعي على الإطلاق، والجو مشبع بالتراب والشبورة بما يمنع الرؤية الجيدة. وعليه، فقد قررنا أن نستفيد نحن أيضاً من فهلوتنا المصرية، وأقنعنا سائق الأتوبيس أن ينزلنا في موقع فريد وسط الهضبة، حيث نجلس بين الصخور، وتحتنا البحر، ويميننا المدينة، وفوقنا الجبل. وأدعي أنه أفضل موقع على الإطلاق استمتعنا به أنا ورفيقي وحفنة من الأجانب الذين جاءوا وراءنا مؤمنين بفهلوة المصري العجيبة. وكان وجودهم حماية عظيمة لنا، عندما حاول مجندو حرس الحدود طردنا – لأننا غالباً فرقة صاعقة من الأعداء – ادعينا عدم الفهم، ورسمنا البلاهة على وجوهنا حتى تركونا وهم يسبوننا "بالعربي" الذي لا نفهمه.
بدأ الكسوف في موعده تماماً – وهو من الأشياء القليلة التي تبدأ في موعدها – وبدأت الشمس تتآكل قطعة قطعة، فيتغير شكلها من تفاحة مقضومة، إلى قارب، إلى موزة... والضوء موجود لكنه يلمع، والجو أبرد قليلاً لكنه محتمل، والمد يتحرك خطوة خطوة نحو الشاطيء... ثم فجأة – أقول فجأة وبدون سابق إنذار رغم أننا كنا نعلم – أظلمت الدنيا... وحدث كل شيء بسرعة عجيبة... صار من الممكن النظر مباشرة إلى الشمس، لترى قرصاً أسوداًً يحيط به هالة بيضاء ناصعة لا تنير إلى مكانها، والدنيا ظلام من حولك، لكنها عند الأفق من كل ناحية يخطها مساحة حمراء منيرة بعض الشيء، والبرد أصبح واضح المعالم، والطيور التي لا أراها في العادة رأيتها تطير في الأغلب عائدة إلى أعشاشها مفزوعة، والناموس صوته من حولي شديد الوضوح، يختلط مع صوت مآذن الجوامع المكبرة المرتلة صلاة الكسوف، وصوت زغاريد نساء البدو اللاتي رأين في الحدث سبباً للفرح، ويُضاف على كل هذه الأصوات تكتكات كاميراتي الثلاث التي تُسابق الزمن لتسجيل الحدث.
دقائق أربع، مرت كثوانٍ ثلاث... ثم عاد كل شيء إلى سابق عهده، وبقت الذكرى لا تنمحي. وبقى انتظار مُمل ل21 سنة قادمة، حينما تأتيني أميرتي الصغيرة لتستأذني أن تُسافر مع أصحابها لرؤية الeclipse في وادي الملوك... ووقتها، ربما أوافق!!
Saturday, March 18, 2006
عندما يولد الحب في الظلام
كيف تفهمني ... أيها الغائب عن أسرار قلبي
كيف تراني؟؟
أتُراك تعتقدني أعيش في قالب من الصخر، بل أنا الصخر ذاته؟ فلا الموج الهائج يفتت عضدي ولا النسيم بقادر أن يهز سلامي...
أتظن أنني أتيت من عالم مثالي جاهل، لا يعشق فيه الإنسان خطيئته ولا يثور فيه القلب على مُقَدَرات الزمن
أصور لك خيالك الساذج، أن من ارتفع لا يسقط، ومن رضع الحكمة لا يمكن أن يأخذ بكيانه الجنون
أسألك أيها الأحمق... من تراني؟
إن لم أكن أنا الإله، ولم أكن أنا الحجر... أفلا يفترض هذا بالضرورة أن ما يحق لك، يحق لي
وتكون بالتالي كل أوهامك المثالية عني هي حجر ثقيل ربطته في عنقي يوم ألقيتني من مركب واقعك
ولئلا تشعر بالذنب، دعني أوضح أنني مسئول بالضرورة عن هذه الأوهام...
فأنا الذي غذيتها يوماً بعد يوم...
فهل ترى عيونك أخيراً كل الأقنعة التي لبستها واحداً فوق الآخر؟
وهل تمد يدك وتنزعها عني... فأتألم ثم أفرح ...
ثم أندم ثم أفرح ثم أموت ثم أولد من جديد
Friday, February 17, 2006
البحث عن الأنا الآخر
أنا غائب عن التدوين... هذا لا فصال فيه
لكن السؤال... هل أنا أعيش، أم أنني غائبٌ عن الحياة؟
أنا واقفٌ – وكأنني منذ الأزل وإلى الأبد - في مفترق حياتي، بين الماضي والحاضر والمستقبل...
في الماضي يوجد عشر سنوات من الغرق في عصارة الاكتشاف. عشر سنوات من العشق والفن والفلسفة والإيمان والكآبة التي اكتشفتها وصنعتني.
وفي الحاضر يوجد خمس سنوات من النجاح في كل شيء، والسعادة التي تستحق صلاة شكر يومية. خمس سنوات من عمل أستمتع به، وزوجة أحبها، وإبنة أبيع العالم كله من أجل ضحكتها.
وفي المستقبل يوجد سنوات لا أعرف عددها في حياة لا أعرف شكلها، لكنها رسالة تناديني مثل حوريات البحر الأسطوري. سنوات من البحث والدرجة العلمية والنحت في أحجار الوطن العتيقة من أجل كتابة تاريخ جديد.
وأنا بين طرقاتي الثلاث عاجزٌ عن الحركة، فاقدٌ للنطق... أرفض التنازل بأي شكل من الأشكال عن أي ملليمتر من حدود الماضي والحاضر والمستقبل، فأنا رسمت هذه الحدود بكل الليالي التي لم أنمها، وكل السنين التي اختصرتها بلا ندم من صحتي لأنني قررت أن حياةً على الهامش هي حياة لا تستحق أن تُعاش.
وأنا في الوقت نفسه أُدرك عن يقين أن مملكة رغباتي أوسع من حدود قدرتي، وأن معركتي خاسرة لا محالة، فلا السن يسمح، ولا العرف يسمح، ولا ساعات اليوم تسمح، ولا – بكل تأكيد – جرأة المخاطرة في قلبي تحتمل.
فما الحل إذن في هذه الدائرة المفرغة؟ سوف أستمر في مقاومة الاختيار الذي هو موت، حتى أموت............
Friday, January 06, 2006
عندما تذهب إلى الكنيسة
عندما تذهب اليوم إلى الكنيسة...
لتحتفل بميلاد المسيح
لا تنسى أن تشعل الشموع، وتضم يديك على قلبك وتصلي...
من أجل كل حجاج بيت الله الحرام، الراكبين البحر والجو والبر... نحو مكة والمدينة
من أجل كل السودانيين المرحلين في القطارات إلى بلادهم الفقيرة، وهؤلاء المختفين في الشقوق من عيون الشرطة
من أجل شارون الراقد في غيبوبته، بين عشرات لا يفكرون الآن إلا في مصالحهم من بعده
من أجل طفلة تركية ماتت اليوم بعدوى إنفلوانزا الطيور
من أجل أيمن الظواهري الهارب بين الجبال يخطط لقتل المزيد من الأمريكان، ليدفعهم لقتل المزيد من المسلمين
من أجل منتخب مصر لكرة القدم...
من أجل مصر... بجمالها، وقبحها، وضميرها، وفسادها، وحريتها وديكتاتوريتها وطيبة قلب وغباء معظم الساكنين فيها
عندما تذهب اليوم إلى الكنيسة...
لا تنسى أن تصلي من أجلي...
فأنت اليوم جندي، وهذا نشيدك: المجد لله في الأعالي... وعلى الأرض السلام... وبالناس المسرة