أتحرر من الزمان...
فأرى كل الأماكن عبر التاريخ تَتَّحِد في خريطة واحدة...
ألمح بلا صعوبة كل المدن التي أعشقها...
كل المدن التي سكنتها وسكنتني
أرى طيبة الجميلة، تستقيظ على ضفاف النيل الشاب
هنا وُلدت على الضفة الشرقية،
وهناك رقد جسدي وسط أجدادي الراقدين في الغرب
وبين الضفتين سرت فخوراً بهذه الحضارة التي كانت فجراً للضمير
أتمنى لو أسكن في أخيتاتون، بين صانعي الخزف والزجاج، بشكل قرص الشمس
وأن أصلي في المعابد التي سمعت لأول مرة كلمة "الإله الواحد"
قبل أن تصير أطلالاً تتحدث عن غباء الزمن
أجلس في وسط الأكروبوليس،
أنظر من فوق الجبل إلى المدينة العظيمة أثينا...
ثم أهبط إلى ساحة الفلاسفة... لأتحاور هناك مع الأصدقاء القدامى
أصلي في الناصرة والجليل،
وأقبل التراب الذي سار عليه ابن الإنسان
في الطريق إلى الجلجثة
ثم أبحر عائداً إلى الأسكندرية،
حيث أقضي يومي ما بين المكتبة والمدرسة
وأرى غروب الشمس كل يوم من فوق الصخور
وأسير في الصحراء، لأصل إلى المدينة الفرحة
بأغاني "طلع البدر علينا"، وصوت "بلال" يملأ الأفق
وهناك أفرح مع الفرحين لمقدم نبي جديد
وأمر في الأسواق الحافلة بالعطور، في غرناطة الأندلس...
وأسمع الناس تتحدث باللسان العربي
وأضحك في سعادة لا توصف،
وأنا جالس في حضرة ابن الحداد وابن رشد
وأعبر الجبال والغابات،
وأدخل عاصمة النور... باريس
حيث يُتزوج الجمال بالفن، ليولد الحب طفلاً كل يوم
وأفرد ذراعي وأرقص كأن الشوارع كلها ملكي...
وأعرف هناك فتاة جميلة، إسمها الحرية
وأنجرح...ويُسفك دمي
وتروي دموعي كل الأراضي القاحلة
ولا أستطيع أن أدخل القدس...
لأنهم أحاطوها بالأسلاك الشائكة... والنظرات الشائكة
والأحلام الشائكة
وأهرب إلى المدينة التي لم توجد بعد
مدينة أورفليس...
حيث يسكن السلام في خطبة الوداع الشهيرة
وأطير عائداً إلى القاهرة...
مدينتي الغجرية، الضاحكة، الخانقة...
أم كل المدن، فمنها أنطلق، وإليها أعود
وأحدثها عن رحلتي...
المدن التي أعشقها، وتلك التي أكرهها
برلين هتلر ... لندن بلير ... ونيويورك بوش
وأشكو لها عجز كل المدن أن تكفيني
فتقرأ علي من ذاكرتها، أبيات غنَّاها جبران على مسامعنا:
يا بلاداً حُجبت منذ الأزل
كيف نرجوك ومن أين السبيل؟
أي قفرٍ دونها، أي جبلٍ سورها العالي... ومن منا الدليل؟
أسرابٌ أنتِ أم أنتِ الأمل في نفوسٍ تتمنى المستحيل؟
أمنامٌ يتهادى في القلوب ... فإذا ما استيقظت ولى المنام؟
أم غيوم طفن في شمس الغروب قبل أن يغرقن في بحر الظلام؟
***
يا بلاد الفكر يا مهد الأولى ... عبدوا الحق وصلوا للجمال
ما طلبناك بركبِ أو على متن سفينة، أو بخيلِ ورحال
لستِ في الشرق ولا الغرب، ولا في جنوب الأرض، أو نحو الشمال
لستِ في الجو ولا تحت البحار ... لستِ في السهل ولا الوعر الحرج
أنتِ في الأرواح أنوار ونار ... أنتِ في صدري فؤاد يختلج
7 comments:
وكمان البلاد المحجوبة؟
إنت إيه حكايتك بقى؟
لأ يا جدع
ما تبالغش
هتخليني أشك في الميتافيزيقا
أنا كنت أصلاً سأجعل السطر الرئيسيّ تحت عنوان مدوّنتي هو:
هوذا الفجر فقومي ننصرف
عن ديارٍ كلّ ما فيها عتيق
ما عسى يرجو نباتٌ يختلف
زهره عن كلّ وردٍ وشقيق
وجديدُ القلبِ أنّى يأتلف
مع قلوبٍ كلّ ما فيها عتيق
هوذا الصبحُ ينادي فاسمعي
وهلمّى نقتفي خطواته
قد كفانا من مساءٍ يدّعي
أنّ نور الصُبحِ من آياته
ألاّ صحيح..
إنت قريت لجبران دى ميللو؟؟
جبران دى ميللو؟؟
يعنى فيه أنتونى وجبران دى ميللو
لأ، بس جرعة جبران مضروبة في أنتوني دى ميللو، تطلع حاجة ما حصلتش.
هو على العموم الموضوع له علاقة بتاريخ مشترك بيني وبين غاندي، وعليه الإجابة فوراً :)
ـ
عذراً للتأخير
أنا الحقيقة مش عارف أجاوب على إيه، بس أنا عارف أن هناك خلطة سحرية من القراءات مضروبة في الحوارات واحداثيات الزمكان، خلقت عالماً من الطول والعمق والارتفاع غير ذلك الذي يعيش فيه البشر
وأدعي أنني سرت في هذا الطريق مع القلة المنحرفة من السائرين. لكني الآن أتساءل: هل السر في الخلطة، أم في الجوع؟؟
Nice Post .. , Ghandy !!
elfekra 7elwaa ... we 6are2e6 el elqa2 a7laa ....
elkalam dah 3ala "emperaoreyet meeem" .. bas katabtoholak hena 3alashan teshofoh !!!
Post a Comment