Saturday, October 29, 2005

شهادتي عما يسمونه مسرحية محرم بك

أخيراً شاهدت المسرحية المزعومة
وبرغم كل قناعتي السابقة بأن المسرحية ليست هي الموضوع مطلقاً
وبرغم أن قناعتي تلك لم تتحرك قيد أنملة بعد مشاهدتها
إلا أنني رأيت من واجبي أن أشاهدها
وأن أعلق عليها مرة واحدة، وهو اهتمام لا تستحقه...

الكلمة الأولى عندي هي "أنا أعتذر"

أعتذر كواحد من أقباط مصر، لم يوكلني منهم أو عنهم أحد.
أعتذر عن التحيز المستفز، والتجني السافر في البحث عن العورات.
أعتذر عن المغالطة، وتعميم ما هو استثناء، وتكبير ما هو هامشي، وتجاهل كل ما هو حسن وصالح مهما عَظُم لمصلحة ما هو سلبي مهما قَزَم.
أعتذر عن التسطيح واختزال العالم في أبيض وأسود.
أعتذر عن اغتصاب حق النقد بأيدي من لا يملك – بحكم الانتماء - ولا يستحق – بحكم الموضوعية – فصار العمل كله غريباً في أرضٍ غريبة.
أعتذر عن الغباء في خلط الجد بالهزل، والتخلي عما تمسك به بني البشر منذ فجر التاريخ – مهما اشتدت العداوات – ألا وهو احترام مقدسات الآخرين وعدم المساس بها في بالفعل أو القول أو حتى التلميح غير المباشر.

وأعتذر أيضاً كمصري وكمسرحي ولو حتى كمجرد مشاهد
أعتذر عن تجاوز حق الجيرة التاريخية والمصير المشترك.
أعتذر عن التهاون في مقدرات وطن.
أعتذر عن الفكرة الساذجة، والدراما المفتعلة، والشخصيات الكرتونية، واللغة الركيكة، والخلفيات الصوتية المبالغ فيها، والسينوجرافيا القبيحة.
أعتذر لأن من صنعوا هذا "الشيء" نسبوه إلى المسرح، وكان الأسهل لهم ولنا أن يكتفوا ب"اسكتش" لا تزيد مدته عن خمس دقائق...

باختصار شديد ... أعتذر عن هذا العمل

أما الكلمة الثانية عندي فهي مجموعة من الملحوظات التي قد لا تغير مما سبق شيئاً، ولكنها قد تساهم في وضع "الخطأ" في حجمه الطبيعي:
- العمل يدور كله في فلك جماعة إسلامية متطرفة، فنحن لا نرى أي نموذج آخر للمسلمين. وهذا – بقدر ما يمثل سطحية النص – إلا أنه يترك مساحة للتسامح مع ما يُقدم باعتباره يصف من يفسرون الدين على هواهم، فلا يصير دينهم هو دين أمة الإسلام إلا فيما ندر.

- الكثير مما يُقدم مأخوذ عن أعمال تلفزيونية وسينمائية تهاجم التطرف. ورغم أن ذلك لا يبرر عرضه داخل الكنيسة إلا أن الكثير من محتواه ليس جديداً على أي حال.

- الجماعة نفسها مُقسمة إلى مجموعتين، الأمير ومعاونه، وكل باقي الأفراد. والغريب – بل وأقول أنه إيجابي إلى حد ما – هو أن كل الأفراد يجادلون أميرهم، ويسخرون من أحكامه المتطرفة، ويتبجحون على تصرفاته، ويرفضونها. ويذكر أفراد الجماعة الكثير من آيات القرآن السمحة وأحكامه العادلة ما يرد على كل ما يقول، ولا يغلبهم هو إلا باعتباره الأمير الذي تجب طاعته. وحين يهاجم مساعد الأمير بطل المسرحية المسيحي، لا يجد من يدافع عنه غير صديقه المسلم.

- نموذج الفتى المسيحي الوحيد في المسرحية هو سطحي وساذج، فهو يقرر الأفضلية بين الدينين من منظور مغرق في الأنانية، فهنا الوعود بالمال والزواج والعمل – وهو ما لا يعبر عن الإسلام بأي حال – وهناك رضاء الأب والأم والأخت – وهو ما لا علاقة له بالمسيحية -. وبرغم أن هذا لا يدل إلا على الغباء الدرامي، فهو يُخفف كثيراً من وقع أي شيء يتوصل له هذا الحَكَم العبقري. فلا يُجِّل الإسلام شيئاً انضمام هذا الحقير إليه دون اقتناع، ولا يهينه في شيء الرجوع إلى أهله في مشهد تراجيدي مثير.

- في أثناء تقديم الممثلين بعد المسرحية، يشكر الأب الكاهن كل من ساهموا في العمل، ومن ضمنهم كورال الكنيسة من الأطفال، ويقول لهم: "هناك مكافأة صغيرة في انتظاركم"، فيضحك الأطفال منه قائلين: "تمر"، وهم يشيرون بذلك إلى مكافأة الأمير لجماعته على أعمالهم الحسنة. ويرد عليهم الكاهن قائلاً: "الأمير يوزع التمر، وأنا أوزع البلح". هاهاهاهاهاها. إنه من المثير للسخرية والتشفي أن المصائب تنقلب على أصحابها، فالعمل الذي أرادوا به خلق صورة كاريكاتورية عن أمير الجماعة، انقلب في عقول الأطفال إلى صورة كاريكاتورية عن كاهنهم نفسه... إنها حكمة القدر

إذن، في رأيي الشخصي، إن العمل – برغم كل مساوئه – لا يرقى إلى مرتبة "الإهانة الجادة" للدين الإسلامي. إنه أصغر وأقل من ذلك بكثير. وظني أنه قد يؤثر بقوة على مشاعر البسطاء – الذين هم أغلبية شعبنا العزيز – لكنه غير قادر أن ينال بأي حال من مشاعر مشاهدين أكثر عمقاً مهما بلغت درجة تدينهم.

ولأعقد لكم مقارنة بسيطة، فمقدار "الإهانة" في هذا العمل الساذج لا تُقارن – في رأيي الشخصي – بالحوارات الحقيرة على ال Pal Talk في الحجرات التي تهاجم الإسلام وتلك التي تهاجم المسيحية، ولا تُقارن بكتب المناظرات الشهيرة التي ينتصر فيها شيخٌ على قس وقسٌ على شيخ، ولا تُقارن ببعض البرامج الدينية على الفضائيات، والشرائط التي يُدمنها سائقو التاكسي وما إلى ذلك من تجليات الإهانات الدينية الجادة.

إن من استطاعوا أن يُحَولوا هذه المسرحية إلى فتنة طائفية قد أشعلوا النار بمستصغر الشرر، رغم أن الساحة لا تخلوا من براكين حقيقية يُصر الجميع على تجاهلها.

هذه شهادتي عن المسرحية الشهيرة، ورغم أن الحديث عن المصالحة والمصارحة لم ولن ينقطع، إلا أنني أعتبر أن وضع هذا العمل في قلب هذا الحديث المهم هو شرف لا يستحقه، وتشتيت لسنا بحاجة إليه...

اللهم بلغت... اللهم فاشهد

13 comments:

R said...

جميل يا غاندي...
وكويّس إنّك المرّة ديي سبتلي الحتت اللي كنت هاكتبها.
الغلط برضه على اللي عنده مسرحيّات حلوة وما بيخلصهاش!!
ـ

Anonymous said...

Great analysis as usual. I do not believe that you should apologize for others "mistakes". We should stop generalizing and identifying mistakes of certain people with their religion, ethnicity, color…etc We have to look to the bigger picture, i.e., ignorance, governmental oppression and political corruption poverty which are the roots for all this tension and hate. All the best, Amr

R said...

بس برضه يا غاندي، إنت افتريت على المسرحية فنياً.

يا رااجل إنتَ مش عارف مستوى مسرحيّات الكنائس؟؟
دي فيها تصوير من فوق وعلى الكوبري، ومكياج سريالي كمان (أصله أكيد مش جد).
وكمان فيها شويّة رموز مش بطالة: صياح الديك، واشتهاء فتات الخبز.
يعني، لا يمكن تقول إنّها ركيكة، ممكن تقول أنّها غير معتادة بالنسبة للمستوى الكنسي، وفيها تكنيك مش مسنود بفكر ولا عمق طبعاً.

أما عن المحتوى، فلن أحرق تدوينتي :)
ـ

Anonymous said...

عزيزي غاندي
قرأت ملخص المسرحية، و مثلك تماما ، أعتقد أنها تافهة المحتوى و في الأغلب سلسلة من الاهانات التافهة بغير مضمون حقيقي ، و
لكن تبقى شأنها شأن كل الاهانات فعلا بذيْئا لا يليق و .أحسب أن الوقت قد حان لنعرف –مسلمين و مسيحيين- أن عواقب الاهانات غير المسؤلة قد يكون قاتلا. ينبغي علينا كمسلمين حتى من منطق حرصنا على ديننا ألا نسمح لأنفسنا باهانة المسيحية و العكس بالعكس.
أظن أن الموضوع ليس موضوع تسامح فقط ولكنه و بنفس الأهمية موضوع احترام . يعني عندما يقول واحد "أصل أنا مسيحي و و لا يباح لي المثنى و الثلاث و الرباع" سيكون هناك في مكان اخر من يقول "اصل ان مسلم و مابعبدش تلاتة" و رأيي المتواضع أن العبارتين يتنافسان في السطحية و السوقية و البذاءة .

Na22ash said...

نقدك في منتهى الروعة ..

و لكن..
"أعتذر كواحد من أقباط مصر، لم يوكلني منهم أو عنهم أحد"
منتهى القوة أن تعتذر عما لم تفعله؛
ولكني أتفق مع عمرو (أنونيموس) في أن إعتذاراتك أنت تعميم للأخطاء و الآراء و قد يفهمها البعض كإنساب أفكار المسرحية لمجتمع كامل من حقه أن يتمتع بتنوعه و إختلافاته فيما بينه .. تماما مثلما إعترضنا جميعا على إعتبار تصريحات البابا السياسية ملزمة و رفضنا إنسابها أو حتى تمثيلها لكل أبناء طائفته ..

هل نحن يا عزيزي بصدد حل المشكلة بفتح باب إعتذارات "نيابية" من كل المسيحيين عن هذه المسرحية أو عما يذاع في برنامج علي الفضائيات؟؟؟ أو إعتذارات "نيابية" مثيلة من كل المسلمين عن محاولات البعض (بعض الآلاف) إقتحام الكنيسة و رشقها و من فيها بالحجارة و السباب أو عن كل ما قاله شيخ أو داعية من هجوم على المسيحية؟؟؟

يا سيدي أنا لم أعترض على إعتذاراتك من باب العند أو التشبث بكرامة زائفة.. لو شك أحد في ذلك فإني أضم إعتذاراتي إليك من الآن.. و لكنني أعتقد بأن الإتهامات و الإعتذارات ما هي إلا ردود أفعال و مسكنات مؤقتة، و أعتقد أنه ليس من "مخرج من الغمة" إلا أن يتعلم المصريون (أليست هذه صفة تجمعنا) التعايش بدون تربص و المواطنة بدون تحزب و قبول الإختلاف بدون كراهية و الإختلاف بدون عقد ذنب و المناقشة بدون إهانة و التدين بدون تطرف ..
عملية "محو أمية" كما قلت في تدوينتك السابقة

و من هذا المنطلق أقول لأحمد رأيي المتواضع في "عندما يقول واحد أصل أنا مسيحي و و لا يباح لي المثنى و الثلاث و الرباع سيكون هناك في مكان اخر من يقول اصل ان مسلم و مابعبدش تلاتة" أنني لا أرى في العبارتين سوقية أو بذاءة أو إهانة .. و لكني أتفق معك طبعا في وصفهما بالسطحية الشديدة

إقتباس أخير من غاندي: "نحن مجتمع لا يفهم معنى "الجدل"، فلا نختلف أبداً دون أن نتشابك ونتراشق ونكره. كلنا نغضب حين نختلف، وما يفرقنا عن بعضنا البعض هو قدرة كل شخص على احتمال الغضب. فمنا من تقف حدوده عند "الأهلي والزمالك" ومنا من يتحمل الغضب حتى نخوض في "الدين"، وهو عندنا قُدس الأقداس الذي لا يُسمح فيه بجدل"

*أعتذر بشدة على الإطالة

ghandy said...


رامي: الحمدلله إني ماحرقتلكش تدوينة كالعادة.

"الغلط برضه على اللي عنده مسرحيات حلوة وما بيخلصهاش"

ماشي يا دكتور، الرسالة وصلت

أما بالنسبة للمستوى الفني فأنا متفق معك أن هناك تقنيات معقولة وبعض الحيل الإخراجية الرمزية لكن العمل مهلل جداً

أنا قلت : الفكرة الساذجة، والدراما المفتعلة، والشخصيات الكرتونية، واللغة الركيكة، والخلفيات الصوتية المبالغ فيها، والسينوجرافيا القبيحة.

ghandy said...


عمرو وNa22ash

أنا طبعاً لا أرى أن العقاب أو اللوم يقع على جمهور الناس، ومن أحلى الآيات التي أحبها في القرآن : :"ألا تزر وازرة وزر أخرى " وهى قاعدة تشريعية تكررت فى القرآن الكريم خمس مرات ( الانعام 164 الاسراء 15 فاطر 18 الزمر 7 النجم 38 )

لكن الاعتذار هذه المرة يأتي من القلب، فأنا على مستواي الشخصي أشعر بشيء من المسئولية عندما أجد هذا المستوى الفكري المتواضع بين عائلتي، بني ملتي أو بني وطني... وأتذكر بيت في مسرحية إسمها "بشر الحافي" قرأتها زمان كانت تقول:

وأنا العاجز أتقلب فوق الجمر
يسلمني الشر إلى الشر
أصرخ بالحاكم والمحكوم ... الطهر الطهر
في السوق وفي الشارع فُجر
في الكوخ وفي القصر العُهر
حتى النهر الطاهر يتلوث... حتى النهر
...
لا أملك إلا عجزي المر
ودموعي الحرى في الليل
لا أملك إلا قلب الطفل
في مهد الخشية والذل
...
يزجرني الصوت الآمر:
من سيطهرها غيرك أنت وصحبك
من يطرق باب الفردوس
وينقذ هذا الكوكب
ينفض عنه بؤسه
غيرك أنت وصحبك

Na22ash said...

"من سيطهرها غيرك أنت وصحبك
من يطرق باب الفردوس
وينقذ هذا الكوكب
ينفض عنه بؤسه"


باشمهندس غاندي.. كلماتك الرائعة و ردودك الممتعة تشجع على الإختلاف معك (قليلا) لتكتب أكثر :)

" فأنا على مستواي الشخصي أشعر بشيء من المسئولية"

ليت كل العقلاء يتمتعون بهذه الدرجة من الإحساس بالمسؤولية .. فقط ليتها تكون مسؤولية "زرع بذور مختلفة عن هذا الزوان و رعي قطعان أضلها ذئاب و محو أمية مجتمع تطرف في جهله" كما قلت أنت ؛ قبل أن تكون مسؤولية إعتذارات و "طبطبة" لا تأخذنا بعيدا عن نطاق الفعل و رد الفعل

ibn_abdel_aziz said...

إن من استطاعوا أن يُحَولوا هذه المسرحية إلى فتنة طائفية قد أشعلوا النار بمستصغر الشرر، رغم أن الساحة لا تخلوا من براكين حقيقية يُصر الجميع على تجاهلها.


خلاصة في منتهي القوة والوضوخ

لا تعليق علي كل ماقلت تقريبا
اكاد اتفق معك نقظة بنقظة
تحياتي لك اخي الكريم
:)

Anonymous said...

تكونوش فاكرين إن الشعب المصري هيصدق الكلام بتاعكو؟؟؟

ما خلاص يا حضرات، الملعوب اتكشف!! مسرحية إيه وفيلم هندي إيه؟؟؟


النائب العام أعلنها:
المسرحية
"‏ لم يحدث أن عرضت أصلا‏,‏ كما ثبت أنه لم يشهدها أحد‏,‏ ولا استمع مواطن للإسطوانة االمدعاة"

كفاية بقى إتجار في مشاعر الشعب المصري وتأليبه على الحزب الوطني وقيادة الرئيس مبارك

7ader said...

لا تعليق
لكن دون اعتذار
لانه ليس من حقك الاعتذار بالانابه
ثانياً
في مصر تمارس بعض العادات الخاطئه " مثال سواقين التاكسي مثلاً"
شكراً

ايمان said...

الجيرة و المصير المشترك فقط هو ما يجمعنا؟؟؟ اعتقد ان ما يجمعنا اكثر و اكبر بكثير من هذا لاننا ببساطة شعب واحد ، مصريين و فقط، فلا نعرف اختلافات اثنية حقيقية (وان تعددت جذورنا جميعا و اختلطت بكل من هب ودب و داس علي تراب المحروسة، اكبر مستعمرة في التاريخ، ويمكن لليوم) المهم هذا التمييز و التصنيف لا اعترف به، لأن ما بيني و بين الله هو ملكي وحدي فقط، مثل كل قناعاتي الشخصية، و لا ينفي عني أي منها هويتي و أصولي و جذوري المصرية بكل ما لها و ما عليها، و أخيرا أنا لا استفز من شيء قدر استفزازي من ربط كلمة أقباط بديانة معينة، قبطي يعني ساكن مصر، يعني مصري يعني كلنا، هل اصبحت ابسط الأشياء منطقية تحتاج لدعم و شرح و تفنيد؟؟؟؟؟؟

Anonymous said...

بصراحة مقرش أقول غير انك راجل محترم