Tuesday, April 04, 2006

من موقع الحدث: كسوف الشمس في السلوم - أو مصر-ليبيا رايح جاي



Solar Eclipse from Salum – Egypt

لا يوجد كلمات أو صور يمكنها أن تدعي مجرد محاولة نقل الدقائق الأربع غير العادية لرحلة الشمس وراء القمر، أو بالأحرى لرحلة القمر أمام الشمس... إنما يمكنني أن أحاول وصف رحلتنا نحن – إثنان من أهل المحروسة – لمشاهدة الحدث الأعظم

بدأنا من القاهرة يوم الثلاثاء 28 ظهراً، وعدنا إلى القاهرة في منتصف ليل الخميس، قاطعين 1500 كم بالسيارة في حوالي 60 ساعة معظمها من القيادة المتواصلة. وصلنا إلى مطروح نحو صلاة العشاء. لم أكن قد رأيت مطروح منذ ما يزيد عن 20 سنة، ولم أصدق ما رأيت...

فقد تركتها مجرد مجموعة من الشواطيء رائعة الجمال، ثم أرض ترابية صحراوية تعيش فيها الأبقار والجمال والماعز جنباً إلى جنب مع البدو، فوجدتها مدينة نظيفة جميلة التخطيط، شوارعها أسفلتية مليئة بإشارات المرور الأوتوماتيكية تخبرك كم من الثواني بقى حتى ينقلب لونها. ووجدت شوارعها مليئة بالسياح الأجانب من كل نوع، تحتفي بهم مجموعة من الراقصات الشعبيات ذات الوجه والقد الحسن، على أنغام موسيقى حسب الله الشهيرة. ووجدت المطاعم معظمها تحولت من أجل عيون الليلة إلى خمارات، ولم أصدق نفسي حينما وجدت رجال الأمن مبتسمين و– الأدهى – متعاونين.

كنت أكاد أظن أننا لسنا في المحروسة، لكنني عدت إلى طمأنينتي بسرعة حينما عرفت أن الحكومة اخترعت تذكرة ب100 جنيه لدخول السلوم، لرؤية حدث يمكن رؤيته بنفس الجمال من أي مكان على البحر قبل البوابة، وزالت دهشتي تماماً عندما أخبروني أنه – نظراً لدواعي أمنية – فإنه لن يُسمح بدخول أي سيارة إلى السلوم بعد السابعة صباحاً، رغم أن الحدث لا يبدأ إلا بعدها بأربع ساعات. لكن ما علينا، كنا سعداء ... وقلنا "ماشي".

وصلنا إلى السلوم في الواقع نحو الثامنة صباحاً، ولم يكن هناك مشكلة في الدخول، لكن كان علينا – لذات الدواعي الأمنية – ترك السيارة على مدخل السلوم، والتنقل بأتوبيس عام غرب الدلتا إلى داخل المدينة. ومرة أخرى تأكدت أننا مازلنا في مصر حينما ظهر في الأتوبيس "كمسري" أصر أن نقطع تذكرة بجنيه حق النقل، مع أننا دفعنا بالفعل مئة جنيه لنركن السيارة خارج المدينة !!! وكانت أجمل المفاجآت هي مقابلة مجموعة من الأصدقاء المدونين، لا نتقابل إلا نادراً في القاهرة، لكن ها نحن نتقابل في ليبيا – إلا قليلاً –. وهم بلا ترتيب اندهاش، أفريقانو، شموسة، ألف، مصطفى والست نعامة

كانت المواقع المُعدة لاستقبال الزائرين تنقسم إلى ما تحت الهضبة، وهو موقع لطيف أمام البحر – الغير مسموح بالاقتراب منه لسبب غير مفهوم – وما فوق الهضبة، حيث سيشرفنا سيادة رئيس الجمهورية، وهو تقريباً على الحدود مع ليبيا بالضبط، وهو موقع سيء للغاية، فلا هو يطل على البحر أو على أي منظر طبيعي على الإطلاق، والجو مشبع بالتراب والشبورة بما يمنع الرؤية الجيدة. وعليه، فقد قررنا أن نستفيد نحن أيضاً من فهلوتنا المصرية، وأقنعنا سائق الأتوبيس أن ينزلنا في موقع فريد وسط الهضبة، حيث نجلس بين الصخور، وتحتنا البحر، ويميننا المدينة، وفوقنا الجبل. وأدعي أنه أفضل موقع على الإطلاق استمتعنا به أنا ورفيقي وحفنة من الأجانب الذين جاءوا وراءنا مؤمنين بفهلوة المصري العجيبة. وكان وجودهم حماية عظيمة لنا، عندما حاول مجندو حرس الحدود طردنا – لأننا غالباً فرقة صاعقة من الأعداء – ادعينا عدم الفهم، ورسمنا البلاهة على وجوهنا حتى تركونا وهم يسبوننا "بالعربي" الذي لا نفهمه.

بدأ الكسوف في موعده تماماً – وهو من الأشياء القليلة التي تبدأ في موعدها – وبدأت الشمس تتآكل قطعة قطعة، فيتغير شكلها من تفاحة مقضومة، إلى قارب، إلى موزة... والضوء موجود لكنه يلمع، والجو أبرد قليلاً لكنه محتمل، والمد يتحرك خطوة خطوة نحو الشاطيء... ثم فجأة – أقول فجأة وبدون سابق إنذار رغم أننا كنا نعلم – أظلمت الدنيا... وحدث كل شيء بسرعة عجيبة... صار من الممكن النظر مباشرة إلى الشمس، لترى قرصاً أسوداًً يحيط به هالة بيضاء ناصعة لا تنير إلى مكانها، والدنيا ظلام من حولك، لكنها عند الأفق من كل ناحية يخطها مساحة حمراء منيرة بعض الشيء، والبرد أصبح واضح المعالم، والطيور التي لا أراها في العادة رأيتها تطير في الأغلب عائدة إلى أعشاشها مفزوعة، والناموس صوته من حولي شديد الوضوح، يختلط مع صوت مآذن الجوامع المكبرة المرتلة صلاة الكسوف، وصوت زغاريد نساء البدو اللاتي رأين في الحدث سبباً للفرح، ويُضاف على كل هذه الأصوات تكتكات كاميراتي الثلاث التي تُسابق الزمن لتسجيل الحدث.

دقائق أربع، مرت كثوانٍ ثلاث... ثم عاد كل شيء إلى سابق عهده، وبقت الذكرى لا تنمحي. وبقى انتظار مُمل ل21 سنة قادمة، حينما تأتيني أميرتي الصغيرة لتستأذني أن تُسافر مع أصحابها لرؤية الeclipse في وادي الملوك... ووقتها، ربما أوافق!!

6 comments:

African Doctor said...

وصفك للحظة بليغ جداً يا غاندي
خليتني أعيد الإحساس بها

Anonymous said...

هو الريس كان بيفسي هناك؟

Anonymous said...

:) missed U.

Om Karim said...

جميل جداً وفعلاً رائع يا غاندي. كنت أتمنى فعلاً أن أكون هناك لأعيش الدقائق الأربعة هذه. ولا أعتقد أنني كنت سأعبأ بساعات السفر الطويلة. الصور أيضاً جميلة فعلاً.
ـ

Joly said...

لم أكن بنفس قدر حظك لأشاهد الكسوف الكامل .. فقط تمكنت من رؤية كسوف جزئي في الاسكندرية و لكنه كان رائعا برغم كل شئ .. تصويرك للمنظر جعلني كأنني هناك في السلوم ..

راجل عجوز said...

كان نفسي أكون معاكم
مصر وحشتني جداً
الصور لم تظهر عندي